سامر إلياس 

حمّل الأمين العام لـ «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» نايف حواتمة، ما سمّاه مصالح ضيقة لأصحاب المشروعين السلطويين لحركتي «فتح» و «حماس»، مسؤولية تعثّر إتمام المصالحة الفلسطينية. ورأى في حوار مع «الحياة»، أن العودة إلى مفاوضات ثنائية برعاية أميركية لا تتعدى «إعادة إنتاج الكوارث التي حلّت بنا منذ 1993». وحض على طرح مشاريع قرارات في الأمم المتحدة تتضمن الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام بمرجعية القرارات الدولية المشكلة للإطار السياسي والقانوني للمفاوضات، ومن ثم الانتقال بالعضوية من مراقب إلى عضوية عاملة لدولة فلسطين تحت الاحتلال.

واعتبر حواتمة أن استمرار الانقسام وعدم إنجاز وقائع على الأرض مهدا الطريق أمام قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص القدس، وخفض المساعدة لوكالة «أونروا»، لافتاً إلى أنه ما زالت هناك رهانات على الإدارة الأميركية لدى أوساط في السلطة الفلسطينية، وتوجّهات بعدم إنهاء الانقسام استجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية.

وقال إن الوضع الفلسطيني صعب، وإنه ليس أمام الشعب الفلسطيني مجموعة خيارات في شأن مستقبله السياسي ليختار منها، موضحاً أن المطروح هو «إسرائيل الكبرى»، وضمنها حكم ذاتي فلسطيني من دون سيادة، أو العودة إلى أسوأ مما كانت عليه الحال قبل 1967.

وأوضح حواتمة، من موسكو، أن الاستفادة من صعود روسيا يتطلب خلق وقائع على الأرض وتعزيز الأوضاع الفلسطينية، ومن ثم طرق أبواب الأمم المتحدة لمنح روسيا قدرة الضغط على حكومة اليمين الإسرائيلي.

في ما يأتي نص الحوار:

> في هذا العام، يحيي الفلسطينيون ذكرى سبعين عاماً على النكبة و25 عاماً على اتفاق أوسلو... كيف تقوّمون هذه المرحلة في تاريخ القضية الفلسطينية... أين أخطأت القيادة الفلسطينية وأين أصابت؟

- المرحلة التي تمر بها قضيتنا الوطنية صعبة وقاسية، نمر فعلاً بعنق الزجاجة بين مطرقة ترامب ومشروعه «صفقة القرن» وبين سندان (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتانياهو وحكومته الكولونيالية التوسعية في القدس والضفة الفلسطينية وحصاره قطاع غزة. هذه الحال لم تأت دفعة واحدة بل هي نتيجة مفاوضات 25 عاماً منذ أوسلو، مفاوضات فاشلة على الجانب الفلسطيني بينما حكومة نتانياهو تنفذ يومياً خططها الاستراتيجية والمرحلية بنهب الأرض وهدم المنازل وتهجير البشر، وصولاً إلى ما يصطلح عليه اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي «إسرائيل الكبرى» من المتوسط حتى نهر الأردن. هذا كله بسبب سياسة الأوهام عند الذين ذهبوا إلى أوسلو، والذين واصلوا السياسة ذاتها: اتخاذ القرارات الانفرادية والفردية ممثلة بالسلطة الفلسطينية «الفتحاوية»، وأيضاً بفعل الانقسام في الصف الفلسطيني، والذي أدى إلى تفكيك وحدة الشعب والأرض، وكذلك تعميق التراجعات في الصف الفلسطيني وتفكك الوحدة الوطنية بسبب الانقسام الذي تتحمل «حماس» مسؤولية رئيسة فيه بفعل العملية العسكرية الانقلابية التي قامت بها في حزيران (يونيو) 2007. النضال الفلسطيني تمحور من أجل تجاوز هذين المشروعين: المشروع السلطوي الفتحاوي، والمشروع السلطوي الحمساوي على امتداد هذه السنوات، وتمكنّا فعلياً في الجبهة الديموقراطية وكل القوى الوطنية والليبرالية الفلسطينية من تحقيق إنجاز بعقد حوار وطني شامل ضم 14 فصيلاً (فصائل منظمة التحرير، وحماس والجهاد الإسلامي). أنجزنا أربعة برامج لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية شاملة، وبالتوازي الاتفاق للإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية ولمجلس وطني فلسطيني منتخب داخل الأراضي المحتلة وبلدان اللجوء والشتات وفق قانون التمثيل النسبي الكامل. لكن كل هذه البرامج تم تعطيلها من جانب فريقي الانقسام. وأنجزنا قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته في 5 آذار (مارس) 2015 والتي دعت إلى: 1- سحب الاعتراف بإسرائيل طالما أن حكوماتها لا تعترف بدولة فلسطين. 2- وقف المفاوضات حتى الوقف الكامل للاستيطان. 3- فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي. 4- سحب الأيدي العاملة الفلسطينية من المستوطنات. والقرارات السابقة تعد ضمانة لإنهاء الانقسام، وبناء وحدة وطنية على قاعدة الشراكة وفقاً للتمثيل النسبي الشامل. ولو نُفّذت قرارات الحوار وقرارات المجلس المركزي التي ذكرتها لما وصلنا إلى قرار ترامب بشأن القدس، لأن تنفيذها يعني أننا ثبّتنا وقائع على الأرض لا تسمح بقرارات كهذه من أي إدارة أميركية. لكن كل شيء تعطل، وعدنا من جديد وتبنينا القرارات ذاتها في المجلس المركزي، 13 كانون الثاني (يناير) 2018، وهذه القرارات أيضاً يتم تجميدها، لأنه ما زالت هناك رهانات من أوساط في السلطة الفلسطينية، وتوجهات بعدم إنهاء الانقسام استجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية، وكذلك ضغوط محاور عربية وشرق أوسطية ذات مشاريع متصارعة في ما بينها، ولذا أقول مجدداً، لم يكن مفاجئاً لنا ما ذهب إليه ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتجميد المساندة لوكالة تشغيل وغوث اللاجئين (أونروا).

 

إطار الحل

> في أي إطار ترى الحل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، هل هو حل الدولتين، أم حل الدولة ثنائية القومية، أم دولة بنظامين... وما هي فرص الفلسطينيين لتغيير الواقع السياسي الراهن؟

- أقول بلغة مباشرة واضحة، ليس مطروحاً على الشعب الفلسطيني مجموعة خيارات حتى يختار. حل الدولتين يتم دفنه بعد تعطيله على امتداد 25 سنة من مفاوضات ثنائية برعاية أميركية، ومنها تسعة أشهر كاملة برعاية وزير الخارجية السابق جون كيري في إدارة باراك أوباما، من تموز (يوليو) 2013 إلى نيسان (أبريل) 2014. أثناء هذه الفترة عمل كيري يومياً ومعه إطارات أمنية وسياسية وقانونية ضمن فريق يتجاوز مئتي خبير أقاموا في القدس، ووصل بمفاوضاته إلى طريق مسدود أيضاً تحت ضغط الأطماع التوسعية الإسرائيلية. حل الدولتين ليس مطروحاً حتى نختاره أو لا نختاره. أجمعنا فلسطينياً على حل الدولتين، دولة فلسطينية بحدود 4 حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة في العام نفسه، وحل مشكلة الشعب اللاجئ ضمن القرار 194. ولكن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لم تكن ضمن هذا الإطار، بل كانت مرجعيتها ما يدور على طاولة المفاوضات وليس قرارات الشرعية الدولية، ولهذا عارضنا هذه المفاوضات، ودعونا إلى مفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية وبرعاية الدول الخمس الدائمة العضوية من أجل إنجاز دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. لكن الحكومات الإسرائيلية عطلت هذا، والإدارات الأميركية انحازت بنسب متفاوتة للرغبات التوسعية الإسرائيلية.

منذ البداية هناك قرارات فلسطينية تبنيناها عشية انطلاق مؤتمر مدريد في تشرين الأول (أكتوبر) 1991، وكذلك قبل مفاوضات أوسلو، وبالإجماع اتفقنا على محددات المفاوضات وأهدافها بقيادة وفد من منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن، لم يتم التزام كل هذا، وذهب الذين ذهبوا إلى أوسلو، والآن يعترفون بفشلهم. ولاحقاً وقع الانقسام وكلا طرفيه يعترف بأنه عملٌ مدمر ويصب في مصلحة إسرائيل التي استغلت هذه الفترة الزمنية والانحياز الأميركي لها بفرض وقائع على الأرض.

ليس مطروحاً علينا حل دولتين أو لا دولتين، وليس مطروحاً حل دولة واحدة على قاعدة المساواة في المواطنة لأن الرأي العام الإسرائيلي بغالبية كاسحة يرفض دولة واحدة على أساس المساواة في المواطنة. وألفت الانتباه إلى أن المجلس الفلسطيني عام 1969 ناقش مشروعين من أجل دولة فلسطينية واحدة من المتوسط حتى النهر، وطرحُنا في الجبهة الديموقراطية كان يدعو إلى دولة ديموقراطية موحدة لكل السكان الفلسطينيين العرب والإسرائيليين اليهود على أساس المساواة في المواطَنة، والإخوة في فتح قدموا مشروع دولة فلسطينية واحدة (مع إسرائيل)، ولكن على أساس للمسلمين واليهود والمسيحيين، وهو تقسيم على أساس طائفي رفضناه ونرفضه.

المطروح علينا اليوم من إسرائيل هو «إسرائيل الكبرى»، مع رفض مبدأ المساواة في المواطنة. وأصلاً إسرائيل لا تلتزم هذا المبدأ مع نحو 1.5 مليون فلسطيني داخل أراضي عام 1948، وتعمل كل يوم على إقرار قوانين وتشريعات عنصرية جديدة، فكيف الحال مع 4.5 مليون فلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة؟

والبديل من «إسرائيل الكبرى» يُحتفظ به في درج نتانياهو، كما كان أيضاً في درج (آرييل) شارون، وهذا مشروع قدمه له مستشاره للأمن القومي غيورا آيلاند، وهو الآن جنرال متقاعد، والمشروع مبني على أساس العودة إلى ما قبل 1967، بل أسوأ مما كانت عليه الحال حينها، وفيه تعود غزة إلى أكناف مصر، وما يتم التوافق عليه في الضفة الغربية نتيجة المفاوضات يُضم إلى الأردن، وهو مشروع تعطل بفعل نضال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والعالم، والقرارات العربية والدولية المؤكدة على وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه في تقرير المصير وإقامة دولة بعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار الرقم 194.

والمطلوب الآن مفاوضات قد تستأنف في يومٍ ما تقوم على أساس الشرعية الدولية ورعاية دولية أو لا تقوم، لأن العودة إلى مفاوضات ثنائية برعاية أميركية هي إعادة إنتاج الكوارث التي حلت بنا منذ 1993، في مقابل المرابح الكبرى للجانب الإسرائيلي الطليق اليدين لمواصلة أعمال الاستيطان، وهدم المنازل، واغتصاب الأرض وسلبها ومواصلة حصار قطاع غزة وتفتيت الضفة الفلسطينية إلى مجموعة كانتونات وباتسونات. وفي تصريحات نتانياهو منذ أيام بعد عودته من الولايات المتحدة، قال إن إسرائيل مع الانفصال عن الفلسطينيين، وأعرب عن ثقته بأن غالبية من الإسرائيليين تريد ذلك، وأن الفلسطينيين يريدون الانفصال عن إسرائيل، وهو لذلك مع هذا الانفصال وإعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً. لم يأت على ذكر دولة، أي أنه يريد المحافظة على سيادة إسرائيل الكاملة على الأرض والحدود والممرات براً وبحراً وجواً، مع حكم ذاتي مدني، وفي المناسبة سِجِل الأرض والسكان ما زال بيد إسرائيل منذ احتلال عام 1967. وتصريحات نتانياهو هذه تعني أنه سحب ما قاله في بار إيلان بعد خطاب أوباما عام 2009 عن موافقته على حل الدولتين. إن مشروع الدولتين انتهى بالنسبة إلى حكومة اليمين وحل مكانه مشروع «إسرائيل الكبرى». هذا هو المطروح، ويجب علينا أن نقدم بديلاً واقعياً وطنياً، وواقعياً سياسياً وقانونياً ينطلق من قرارات الجامعة العربية، والمنظمات القارية والأمم المتحدة.

 

القدس وحق العودة

> ما رأيك بـ «صفقة القرن»؟ وما هو السبيل لمقاومتها فلسطينياً؟ هل خسرنا القدس؟ وهل سنخسر في موضوع حق العودة في ظل الحرب على «وكالة تشغيل وغوث اللاجئين» (أونروا)؟

- مشروع حكومة نتانياهو الذي يضم الائتلاف الواسع ويمثل غالبية اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل هو، كما قلت، «إسرائيل الكبرى»، وإذا تعطل هذا المشروع ليس البديل إعطاء حقوق للشعب الفلسطيني. علينا أن نعود إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار لعقد مؤتمر دولي للسلام بمرجعية قرارات الشرعية الدولية، ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ويجب العمل على استصدار قرار أممي آخر ينتقل بفلسطين من عضو مراقب إلى عضو كامل العضوية تحت الاحتلال حتى يقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان بموجب القرارات الدولية، وحل مشكلة الشعب اللاجئ وفق القرار الرقم 194.

يجب أن نفهم منطلقات الإدارة الأميركية، فترامب يعتبر أن الاستيطان لا يشكل عقبة في طريق تحقيق السلام. وثانياً، أعلن القدس عاصمة لإسرائيل. ثالثاً، أعلن خفض المساعدات التي تقدمها الإدارات الأميركية منذ تأسيس أونروا عام 1949 إلى النصف، إضافة إلى الضغط على دول وحض أخرى على خفض مساهماتها في دعم الوكالة لتجفيف مصادر تمويلها وإنهاء الالتزام الدولي بقضية اللاجئين المبني على قرارات أممية، وهناك موازنة تصل إلى 1.5 بليون دولار سنوياً لأونروا. خفض المساعدات يهدف إلى البحث عن حل لمشكلة اللاجئين في إطار التوطين في البلدان العربية المقيمين فيها، أو التهجير من جديد إلى بلدان أخرى. يجب أن نقدم البديل الواقعي المقرّ دولياً بديلاً من المشاريع الإسرائيلية التوسعية الصهيونية، والمشاريع الأميركية الانفرادية الأكثر انحيازاً لمطامع إسرائيل. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، صدر قرار أممي يعترف بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة وفق القرارات الأممية السابقة.

 

في الحرب الباردة الجديدة

> في ظل الصعود الكبير لدور روسيا وأجواء الحرب الباردة الجديدة، هل يمكن الفلسطينيين أن يحققوا أي خطوة تخدم قضيتهم؟

- نأمل بأن تتمكن روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وكذلك الهند واليابان والبرازيل فعلياً في تسريع بناء عالم جديد متعدد الأقطاب، يقوم على العلاقات الديموقراطية أكثر فأكثر بين الدول، ولا يقوم على الاستئثار والغطرسة والهيمنة كما تفعل إدارة ترامب الذي أعلن أنه يريد «أميركا أولاً» لكنه في الحقيقة يريد أوسع من ذلك بكثير. لم يلتفت ترامب إلى الداخل الأميركي، بل على العكس، ألغى مكتسبات للشعب مثل قانون «أوباما كير»، وعزز النزعات العنصرية بانحيازه للبيض. هو يريد عملياً أن تكون أميركا فوق الجميع في سياساته العالمية، وهي تذكرنا بشعارات سادت في ثلاثينات القرن العشرين ومطلع أربعيناته، وانتهت إلى حرب عالمية ثانية مدمرة. وللاستفادة من صعود روسيا، علينا كفلسطينيين أولاً أن نخلق وقائع على الأرض، ومنها سحب الاعتراف بإسرائيل، وتجميد المفاوضات حتى وقف الاستيطان بالكامل طوال فترة المفاوضات، وفك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، ومقاومة كل أشكال التمييز العنصري على الأرض الفلسطينية وداخل أراضي 1948، والالتفات إلى دمقرطة الحياة الفلسطينية بمؤسساتها المختلفة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وانتخابات رئاسية وبرلمانية وفق التمثيل النسبي الكامل. ودولياً، تجب العودة إلى الأمم المتحدة بثلاثة مشاريع قرارات؛ الأول مؤتمر دولي للسلام كما قلت بمرجعية القرارات الدولية المشكلة للإطار السياسي والقانوني للمفاوضات برعاية دولية. ومن ثم الانتقال بالعضوية من مراقب إلى عضوية عاملة لدولة فلسطين تحت الاحتلال. ويجب على الأمم المتحدة أخذ دورها لحماية أرض وشعب دولة فلسطين الواقعة تحت قوة الاحتلال.

وبعد كل هذا تفتح كل الطرق أمام روسيا وأمام الأقطاب المختلفة في العالم للمشاركة في حل أزمة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والصراعات الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط ومناطق العالم المختلفة لأن الاستفزازات والتدخلات الأميركية لا تقف فقط عند ما تفعله في منطقتنا، فالقوانين الأميركية تعتبر روسيا غريماً. ولا نعتقد بجدوى أي مشاريع أخرى لحل أزمة الشرق الأوسط، مثل 4 زائد 5، أو 4 زائد 3، كإطار جديد لعمل اللجنة الرباعية الدولية التي عطلت الإدارات الأميركية المتتالية عملها وأفرغتها من التقدم بأي خطوة إلى أمام، وهي في موت سريري منذ سنوات حتى الآن.

في 20 شباط (فبراير) من العام الحالي، دعا الأخ محمود عباس إلى مؤتمر دولي لا تكون الولايات المتحدة مهيمنة عليه، ولكن في المقابل ترك كل شيء للمجهول. الصيغة الأسلم والأفضل والأصح التي يمكن أن تحقق نتائج هي العودة إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي للسلام: جرّبنا الثنائي بالرعاية الأميركية، وجُربت صيغة الرباعية الدولية، جُرب مؤتمر أنابوليس، وجربت أيضاً رعاية أميركية لتسعة أشهر وعمل متواصل لكيري بجولات إلى تل أبيب ورام الله وعواصم الشرق الأوسط. عدنا إلى الأمم المتحدة عام 2012، وقبلت فلسطين عضواً فيها، وحينها حللنا ثلاث قضايا كبرى لم تُحل منذ 1991، وهي تثبيت الإطار القانوني والسياسي لمواضيع الحدود والعاصمة واللاجئين.

العودة إلى الأمم المتحدة هي الطريق الفعلي الذي يمكّن روسيا، وسنعرض ما سبق هنا مع مسؤولين روس سنلتقيهم في موسكو، لنقدم البدائل العملية التي تخلق وقائع على الأرض والميدان في فلسطين والشرق الأوسط والعالم، ما يمكن روسيا والصين وفرنسا التي تعلن مواقف مؤيدة لنا، ويختزل الطريق للمباشرة بمفاوضات من نوع آخر تقوم ضمن إطار قانوني وسياسي وفق قرارات الأمم المتحدة وبرعاية البلدان الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ويجب أن نرفع شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأعددنا منذ عام 2015 ملفات عن جرائم الاستيطان ونهب المياه وهدم المنازل والأسرى، واتفقنا على تقديمها، ولو نفذ ما توافقنا عليه لكنا أمام وضع جديد.

 

روسيا وإسرائيل

> هل لدى روسيا الرغبة والقدرة للضغط على إسرائيل؟

- لا يمكن روسيا الضغط على إسرائيل إلا بعد تنفيذ الفلسطينيين الخطوات السابقة، وهو بدوره يفتح المجال من أجل عمل عربي مشترك تجاه القضية المركزية للشعوب العربية والمسلمة. والخطوات الفلسطينية التي ذكرتها تضغط على حكومات اليمين (الإسرائيلي) التي تفعل على الأرض ما تريد من دون وجود ردّ فلسطيني قوي، وتبنّي حلقات عربية ودولية للضغط على إسرائيل لإنعاش وزيادة أعداد الإسرائيليين الباحثين عن حل ضمن قرارات الشرعية الدولية، وتراجع قوة اليمين المتطرف. لا يمكن تغيير المعادلات ما دام اليمين يقدم للإسرائيليين ما يريدونه بسهولة. وعلى سبيل المثال، في 1973 كان هناك 37 ألف مستوطن فقط في الأراضي المحتلة عام 1967، ارتفعوا إلى 97 ألفاً عند توقيع أوسلو في 1993، وهم الآن 850 ألفاً، وهناك مخططات عند نتانياهو لرفع العدد إلى أكثر من مليون حتى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة خريف العام 2019 في الضفة والقدس. غياب مؤتمر دولي بمرجعية أممية، يعني الدوران في المكان، وتعطيل قرارات الإجماع الوطني في اجتماعي المركزي الفلسطيني 2015 و2018.

> ما هو السبب الحقيقي لحال الانقسام... نرى أن «حماس» اقتربت سياسياً من «فتح» ببرنامجها، ولكن لم تنجح المصالحة، ما هي الأسباب الأساسية للانقسام وعدم إتمام المصالحة؟

- كنا نأمل بأن تمضي حلول الإجماع الوطني في الحوارات والمجلس المركزي قدماً لإنهاء الانقسام، لكن كل شيء يراوح مكانه. ولم ينفذ آخر الاتفاقات بين «فتح» و «حماس» في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وقرار الإجماع لـ14 فصيلاً في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وعلى رغم جهود الرعاية المصرية للتسريع بالخروج من الحالة، لم ننجح. وتنفيذ المصالحة يصطدم بشروط من جانب السلطة و «فتح» بأنه لا خطوة باتجاه حكومة وحدة وطنية وانتخابات، ولا خطوة لضم «حماس» إلى منظمة التحرير قبل تمكين حكومة السلطة تمكيناً كاملاً على الوضع في غزة بكل تلاوينه. ووفق تعبير أبو مازن: سلطة واحدة، أمن واحد، سلاح واحد، مال واحد.

في المقابل، «حماس» تشترط أنها غير مستعدة لتسليم الجباية لحكومة رام الله قبل استيعاب 47 ألف موظف يشكلون قوة مؤطرة للحركة. ويشاع حالياً أنه لا مكان للتفاهم من كلا الطرفين على أي خطوات قبل الاستجابة للشروط التي وضعها. والتعطيل يعود إلى مصالح عائلية، فئوية طبقية واجتماعية ومالية وزعاماتية وفردية للإخوة في «فتح»، وهي مصالح نمت منذ تسلّم الإخوة في «فتح» السلطة منذ 1994، وهي مصالح مستمرة في الضفة، وتأثرت كثيراً في غزة منذ نحو 11 عاماً. ومنذ تسلّم «حماس» السلطة بفرض الأمر الواقع في حزيران (يونيو) 2007، باتت هناك مصالح كبيرة من النوع ذاته بالنسبة إلى «حماس»، وإلا كيف نفسر التمسك من السلطة في رام الله بكل ما بيدها والرغبة في مد نفوذها إلى غزة؟ وكذلك «حماس» غير الراغبة في ترك السلطة قبل استيعاب 47 ألف حمساوي في إطار الموظفين، بينما لا توجد تنمية في أراضينا المحتلة، ولا نحقق تطوراً اقتصادياً بفعل اتفاق باريس وإجراءات الاحتلال التعسفية التي تمنع أيضاً بناء اقتصاد فلسطيني قوي، ولا تقدم اجتماعياً لأن 80 في المئة من الموازنة تذهب للمعاشات؟

> ذلك يعني أن الخلاف ليس سياسياً؟

- الخلاف السياسي موجود، ولكن الشيء الثاني المهم هو المحاور الإقليمية العربية وفي الشرق الأوسط، هذه محاور متصارعة في ما بينها، وتملك مشاريع مختلفة، وكلٌ يحاول أن يجر الحالة الفلسطينية إلى مشروعه، مستخدماً أدوات وآليات فلسطينية.

ونحن قدّمنا حلولاً للعوامل المعطلة لإنهاء الانقسام في إطار ائتلاف منظمة التحرير، وفي إطار الإجماع الوطني، وعرضنا على اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في بيروت برئاسة (رئيس المجلس) الأخ سليم الزعنون في 10 تشرين الثاني( نوفمبر) 2017. وتبنينا قرارين على أن ينفذا بالتوازي: الأول تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة مهمتها إنهاء الانقسام عبر وضع الآليات العملية لإنهائه. والثاني أن تستكمل اللجنة التحضيرية الآليات العملية للذهاب إلى الانتخابات لأن قانون الانتخابات موجود، وهو قانون عصري وتوافقنا عليه سابقاً منذ 2013.

ووفق العملية هذه التي تنفّذ بالتوازي تنتهي عوامل الانقسام، ونذهب إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد ومنتخب في الوطن والشتات بديلاً من المجلس القديم الذي يزيد متوسط أعمار من فيه عن 70 عاماً، ومعطل بالكامل منذ 1996، وتشكل في 1979، وهناك ثلاثة أجيال حُرمت من المشاركة فيه. وهذا الطرح أيضاً عُطل من جانب السلطة في رام الله والإخوة في «فتح» بسبب الاشتراطات التي ذكرتها سابقاً، إضافة إلى الضغوط الأميركية والإسرائيلية بسبب اعتبارهما «حماس» منظمة إرهابية، ما يعطل ترميم الوحدة الفلسطينية بين كل القوى، بما فيها «حماس» و «الجهاد»، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وأميركا وإسرائيل لا تقبلان بحكومة على طاولة المفاوضات تضم منظمة تصنفانها على أنها إرهابية. ويمكن تجاوز الانقسام في حال ابتعدنا من الاشتراطات المسبقة، ومواصلة الجهد مع «حماس» للدخول في مجلس وطني جديد منتخب.