عبدالمحسن يوسف جمال 

منذ زمن ما بعد الحربين العالميتين كثرت النظريات السياسية التي تدرس المبادئ والأساليب الواجب اتباعها لتجنيب العالم حروبا جديدة.
ونبغ من المفكرين الغربيين العدد الكبير منهم كمونتسكيو وجان جاك روسو جان لوك وغيرهم.
ومنهم ومن امثالهم تعرف العالم على الاسلوب المدني في الدبلوماسية، وهي التعامل الامثل بين الدول من خلال السفارات والدبلوماسيين الذين يمثلون دولهم ويعززون التعامل السياسي والتجاري بينها وبين الدول الاخرى.
وبالفعل نجح هؤلاء وخاصة دبلوماسيي الدول الكبرى في تجنب الحروب الشاملة الى يومنا الحالي.
اليوم وبعد ان تصور ساسة الغرب انهم انهوا نفوذ الاتحاد السوفيتي الى ما لا نهاية وفككوا دوله، فاذا بهم يتفاجأون بروسيا جديدة يقودها سياسي محنك لا يعرف الملل او الكلل، يستعيد نفوذها السياسي على الساحة الدولية وينجح في فرض قوانينه التجارية من خلال تصدير الغاز الى دول الجوار الاوروبي، ويخطو خطوات مدروسة في منطقة الشرق الاوسط وهي الساحة الذهبية للنفوذ الغربي منذ عقود.
قيام اوروبا بغثها وغثيثها بطرد الدبلوماسيين الروس من اراضيها في حركة احتجاجية ضد السياسة الروسية ينم عن ضعف ولا ينم عن قوة.
ويعني فشلا ذريعا في الدبلوماسية الغربية التي عجزت عن فهم قوة الدبلوماسية الروسية الجديدة التي اخذت تكسب موقع قدم ثابتاً في الساحة السياسية الدولية.
ولعل رد الفعل الرزين في التعامل الروسي مع هذا التعامل الغربي المنظم بفوضويته وطريقته الخشنة في التصرف من خلال ادوات الدبلوماسية الناعمة أعطت صورة قوية للروس امام انظار دارسي السياسة والدبلوماسية في هذا العالم المتصارع.
طرد دبلوماسيي الدولة الاخرى هو اشارة ضعف وان جاءت بلغة الاحتجاج، وليست منهج قوة.
اما التضامن الغربي السريع في هذا الشأن فهو اشارة خوف اخرى من ان النفوذ الروسي بدأ يصل الى الساحات الخلفية للسياسة الغربية ويدق ناقوس الدبلوماسية العصرية الجديدة التي قد تسحب من الغرب نفوذه التاريخي كما تحدثنا لذلك النظريات السياسية الغربية نفسها، وما قيام وسقوط الحضارات الا احداها كما يقول المؤرخ العربي ابن خلدون.