مصطفى السعيد

 تزداد الحرب الباردة اشتعالا مع دخول الصين الحلبة إلى جانب روسيا فى مواجهة الولايات المتحدة، الضربة الصينية الموجعة الأولى ستوجه إلى الدولار الأمريكي، مع إعلان إنشاء بورصة لتداول عقود النفط الآجلة باليوان الصينى بدلا من الدولار الأمريكي، مدعومة بإغراء قابلية تحويل اليوان إلى ذهب، وهى ميزة كبيرة يفتقدها الدولار، كما يعززها أن الصين أكبر مستورد فى العالم للبترول بأكثر من 8 ملايين برميل يوميا، إلى جانب ارتباط الصين بعلاقات وثيقة بدولتين من أكبر منتجى النفط والغاز وهما روسيا وإيران، اللتان ستدعمان البورصة الصينية، لسعى الدول الثلاث لإسقاط الدولار من عرش العملات الدولية تدريجيا، وجاءت الخطوة الصينية ردا على قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على وارداتها من الصين للحد من العجز التجارى الأمريكى مع الصين، والذى يتراوح بين 300 إلى 400 مليار دولار سنويا.

الخطوة الصينية الثانية تمثلت فى مبادرة كوريا الشمالية فى الإعلان عن استعدادها للتخلى عن السلاح النووي، والذى يبدو تنازلا كبيرا من كوريا الشمالية، لكن هذا التنازل سيكون باهظ الثمن على الولايات المتحدة، فهو مرهون بسحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية وبحر الصين الجنوبي، وتفكيك منظومة الدرع الصاروخية، وترى الصين أن الحملة الأمريكية ضد كوريا الشمالية ليست إلا ذريعة لنشر قواتها ودرعها الصاروخية حول الصين وبالقرب من روسيا، ونزع هذه الذريعة سيضع الولايات المتحدة فى مأزق، ويضعها فى مواجهة حلفائها فى كوريا الجنوبية واليابان والفلبين، وجميعا تخشى من سباق التسلح وشبح حرب جديدة فى المنطقة، تهدد أمنها واقتصادها، وتجعلها رهينة ابتزاز واشنطن، التى تطلب منها مقابل حمايتها من الخطر الكورى الشمالي.

التنين الصينى بدأ التحرك، وإن كانت حركته تبدو بطيئة، إلى أنها تكون مدروسة جيدا، فقد اهتمت الصين لعقود بتنميتها الداخلية، والنأى بالنفس عن أى صراعات دولية، مع خفض إنفاقها العسكري، لكنها بدأت تستشعر تحركات لتطويقها من جانب الولايات المتحدة، التى وضعت الصين على رأس قائمة الدول المهددة لعرشها الاقتصادي، ولهذا سعت الصين ومعها روسيا فى إقامة «تجمع شنجهاي»، وهو تحالف اقتصادى وسياسى يضم معظم دول آسيا، إلى جانب مجموعة البريكس التى تضم البرازيل وجنوب إفريقيا والهند إلى جانب روسيا والصين، مع التحضير لدمج إيران فى التجمعين، كما رفعت الصين إنفاقها العسكرى بمعدلات كبيرة فى السنوات الأخيرة، وتبنى ثالث حاملة طائرات، فى مؤشر لاعتزام الصين الذهاب بعيدا بقواتها العسكرية، لأن حاملات الطائرات تعد قواعد عسكرية كبيرة تبحر بعيدا. كما تستكمل الصين إقامة طريق الحرير، الذى يربط دول شرق ووسط آسيا بأوروبا والشرق الأوسط، إلى جانب خطوط بحرية جديدة مع إفريقيا، وهو طريق ليس للولايات المتحدة تأثير أو فائدة منه، بل هو منافس للخطوط البحرية التى تنتشر فيها الأساطيل الأمريكية.

وفى المقابل فإن إدارة ترامب أجرت تعديلات فى إدارتها، ووضعت عددا من أبرز المحافظين الجدد المتشددين والداعين إلى الصدام والحرب فى صدارة الإدارة وشملت إقالة وزير خارجيته تيلرسون وتعيين مدير المخابرات الأمريكية مايك بومبيو بدلا منه، وتولى جينا هاسبل إدارة المخابرات، كما أقال مستشار الأمن القومى هربرت ريموند ماكماستر ليحل محله جون بولتون المعروف بأنه من قيادات المحافظين الجدد الأكثر تطرفا، ليشكل ترامب ما يشبه مجلس حرب، فالولايات المتحدة مقدمة على خطوات تصعيدية ليس مع الصين وحدها، وإنما مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران أيضا، وهى صدامات مصيرية للولايات المتحدة، فإما أن تحافظ على مكانتها وهيمنتها، أو تتحول إلى مجرد واحدة من الدول الكبري، وتقبل الشراكة وعدم الانفراد بالقرارات المؤثرة، وهو ما يجعلها تفقد سطوتها والكثير من الامتيازات الاقتصادية التى تنتزعها من باقى الدول بقوة النفوذ الاقتصادى والعسكري، وليس بالتنافس الاقتصادى الحر.

إن دخول الصين حلبة الصراع الاقتصادى والعسكرى فى مواجهة الولايات المتحدة سيكون له عواقب تفوق الصدام الأمريكى مع روسيا، وإن كانت الصين غير راغبة فى تسريع وتيرة الصدام، فإنها ترى أن إعلان الحرب التجارية قد أجبرتها على التحرك بسرعه، ليخرج التنين الصينى من قوقعته، وهو ما سيعطى الرئيس الروسى بوتين دفعة قوية، وهو المتحفز للرد على الحملة الدبلوماسية والإعلامية الضخمة التى تعرض لها، وعازم على المواجهة، ملوحا بصواريخ وطائرات وغواصات لا تملك الولايات المتحدة مثيلا لها فى القوة والتطور، كما أن إيران ستكون الأكثر استفادة مع المواجهة الأمريكية مع كل من الصين وروسيا حتى لا تنفرد بها واشنطن العازمة على إلغاء الاتفاق النووي، وفرض الحصار والعقوبات، والتلويح بضربات عسكرية أو تدخلات لقلب نظام الحكم فيها، وهو ما يمنحها حرية حركة وثقة فى مواجهة النفوذ الأمريكى فى المنطقة.