رضوان زيادة

 شكل إعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سورية و «ترك الآخرين إدارة الأمور هناك»، خلال تجمع انتخابي في ولاية أوهايو، مفاجأة ليس للسوريين فقط وإنما لوزراتي الخارجية والدفاع الأميركيتين نفسيهما، ولذلك صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية أن ليس لديها علم بهذا القرار ورفضت التعليق على تصريحات ترامب في شأن سورية.

ويعد الإعلان مناقضاً تماماً لما أعلنه وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس من بقاء القوات الأميركية في سورية والتي يبلغ قوامها حوالى 2000 جندي لمنع ظهور منظمة إرهابية جديدة شبيهة بـ «داعش» ولضمان لعب دور الاستقرار في سورية، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي السابق تيلرسون في جامعة ستانفورد يوم الأربعاء 17 كانون الثاني (يناير) الماضي عبر تقديم ما سمّاه سياسة الولايات المتحدة الجديدة تجاه سورية حيث أكد حينها أن الولايات المتحدة لن تسحب وجودها العسكري من سورية، فهو كما ذكر في خطابه أن الولايات المتحدة تعلمت من درس العراق أن الانسحاب المبكر قبل وجود حكومة شرعية ومستقرة قد يدفع البلد إلى الفوضى واللااستقرار ويمكّن جماعات أصولية ومتطرفة من استغلال الوضع وبناء موطئ قدم لها هناك بعدما جرى في عام 2013 عندما تمكنت داعش من استغلال انسحاب القوات الأميركية في العراق وإعلان خلافتها المزعومة من الموصل التي سيطرت عليها خلال وقت قصير جداً.

إذاً، يمكن القول أن وزارة الخارجية الأميركية أرادت تأكيد موقفها في شأن عدم انسحاب قواتها من شمال شرقي سورية والقواعد العسكرية التي ساعدت من خلالها قوات سورية الديموقراطية في القضاء على داعش حتى الوصول إلى الرقة التي باتت اليوم تحت سيطرة مطلقة لما يسمى المجلس المحلي المدني الذي تسيطر على قراراته قوات الحماية الكردية والتي تبدو اليوم تحت ضغط شديد بسبب العملية العسكرية التركية لطردها من مدينة منبج بعد طردها من عفرين.

ومن أهداف القوات الأميركية في سورية ضمان تحقيق الاستقرار والضغط على نظام الأسد لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بحيث يقود إلى سورية تحت قيادة جديدة ما بعد الأسد. والأهم القضاء على التأثير الإيراني في سورية، عبر القضاء على الوجود الإيراني هناك.

لفهم طبيعة تصريحات ترامب علينا أن نعود إلى كتاب «النار والغضب» للصحافي مايكل وولف الذي كشف ما يجري داخل إدارة ترامب خلال السنة الأولى، والأهم انه كشف في فصله الرابع عشر كيف اتخذ ترامب القرار بقصف مطار الشعيرات بعد استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في خان شيحون في إدلب. يذكر وولف أن قصف خان شيحون كان أول حدث خارجي يبرز امام رئاسة ترامب. حيث كما هو معروف تتشكّل معظم الرئاسات بالأزمات الخارجية، ويُعد أكثر أدوار الرئاسة أهمّية إبداء ردّ الفعل على الحوادث الخارجية.

لقد استخدمت الأسلحة الكيماوية من قبل بشار الأسد أكثر من مرة، وكان الرئيس باراك أوباما قد اعلن أن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر، لكنه لم يفعل شيئاً عند استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في آب (أغسطس) 2013. يضيف وولف أن «غالبية إدارة ترامب مستعدة لتوقّع ردّ فعل الرئيس، أو ما إذا كان سيبدي ردّ فعل أصلًا. ولم يستطع أحد تحديد مدى أهمية هذه الأسلحة بالنسبة إلى ترامب». يضيف «بحلول منتصف صباح الرابع من نيسان(أبريل)، عقد اجتماع لإحاطة الرئيس بالهجوم الكيميائي. رأى الرئيس ودائرته المقربة من مجلس الأمن القومي - وبينهم ابنته إيفانكا - أن الهجوم فرصة مباشرة لتسجيل اعتراض أخلاقي. كان الحادث جليًا: مرة أخرى انتهكت حكومة بشار الأسد القانون الدولي باستخدام أسلحة كيميائية. كان هناك فيديو يوثق الهجوم، واتفاق بين أجهزة الاستخبارات على مسؤولية الأسد. الوضع السياسي كان مواتيًا: فشل باراك أوباما في الرد عند مواجهة هجوم كيميائي سوري، والآن بإمكان ترامب الرد. أما الخطورة فكانت ضئيلة فالرد سيكون محدودًا. أضف إلى ذلك أن الإدارة ستبدو كأنّها وقفت في وجه الروس وحلفاء الأسد غير الفعّالين في سورية، الأمر الذي سيسجّل لمصلحة ترامب محليًّا.

مع انقضاء اليوم، كانت إيفانكا ودينا باول نائبة مستشار الأمن القومي للشؤون الإستراتيجية منشغلتين بإقناع الرئيس بإبداء رد فعل ليس أقل من عقوبات أو إدانة كاملة لاستخدام الأسلحة الكيميائية أو السيناريو الأفضل: الرد العسكري. كان المستشار جاريد كوشنر يشتكي لإيفانكا عدم تجاوب الرئيس، وبدا واضحًا له ولمستشار الأمن القومي مكماستر أن ترامب منزعج من الحاجة إلى التفكير في الهجوم أكثر من انزعاجه من الهجوم نفسه. أدركت إيفانكا وباول أن الطريقة الوحيدة لإقناع ترامب بالنظر في المسألة هي من خلال الصور لرفضه وحتى انزعاجه من الجداول والوثائق التي يتبادلها مسؤولو الإدارة في العادة، فأعدّتا عرضًا مرئيًا يُظهر أطفال خان شيخون والزّبد يخرج من أفواههم. نجح العرض وأصيب ترامب بالذهول وبدا له أنّه لا يمكن تصور عدم صدور رد فعل من الولايات المتحدة وبات منفتحًا على جميع الخيارات العسكرية.

وفي 5 نيسان، أحاط الجنرال مكماستر ترامب بالوضع في سورية، وبيّن له أنّ هناك خيارات عدة متاحة أمام الإدارة، وكالعادة أثقل مكماستر ترامب بالتفاصيل، ليظنّ الرئيس أنّه يتم التلاعب به. في النهار التالي، وفي طريقه للقاء الرئيس الصيني في منتجعه «مارالاغو» بولاية فلوريدا على متن الطائرة الرئاسية، عقد ترامب لقاءً لمجلس الأمن القومي في شأن الرد على الهجوم بالأسلحة الكيميائية. كان القرار قد اتُّخِذ في شأن إطلاق الجيش الأميركي صواريخ توماهوك باتجاه قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لنظام الأسد. أمر ترامب من طائرته بأن يتم الهجوم في اليوم التالي. وفي أثناء لقاء ترامب مع الرئيس الصيني تم الهجوم على قاعدة الشعيرات. كانت لحظة سعيدة أسرّ فيها ترامب لأحد ضيوفه: «هذه واحدة كبيرة». فريق الأمن القومي بدا مرتاحًا بصورة نادرة؛ فالرئيس الأهوج وغير المتوقع بدا متوقعًا وطيّعًا.

المهم، في هذا الوصف الدقيق لما جرى داخل إدارة ترامب هو ان «ترامب كان منزعجًا من الحاجة إلى التفكير في الهجوم أكثر من انزعاجه من الهجوم نفسه» ولذلك علينا أن نتوقع دوماً ردود فعل عسكرية غير متسقة مع السياسة الخارجية طالما بقي ترامب في الرئاسة وفي البيت الأبيض.