علي سعد الموسى

من المغرب الشقيق، وفي محاضرة عامة، وعلى مشارف الهزيع الأخير من العمر، يظهر لنا المفكر السوري، الدكتور خالص جلبي، ليقول بكل القبح ونكران المعروف، إنه نادم على عشرات السنين التي قضاها بيننا في هذا البلد.
يضيف: (السعوديون غير متخلقين ومتوحشون، وهذا يعود إلى إرهاصات المناخ الصحراوي الحار والطبيعة الجافة، على عكس شعب المغرب الذي يتربى تحت المطر والجبال والبرد... إلخ). وحين استمعت إلى نص المحاضرة شعرت بالشفقة على هذا النفاق اللاأخلاقي وعلى الانهيار القيمي من لاجئ جاء إلينا طريدا من بلده، وعاش بيننا ربع قرن مكتملا. تحملناه بوصفه المفكر الضخم، حتى ولو كان الطبيب الفاشل بكل البراهين. فتحنا له أبواب بيوتنا، وقد كتب عن الأسر (الأكارم)
في النماص أكثر من مقال، ثم شرعنا له أوراق صحفنا التي طاف على معظمها، ومنها هذه الصحيفة.
أخي خالص جلبي: ومع إيماني المكتمل بكذبة متلازمة الأخلاق والطقس والمناخ، لا لأنها هرطقة فحسب، بل هي أيضا وصمة توصيف لما يقل عن ثلث سكان الأرض، ومع هذا دعني أناقش بعض مشوار رحلتك بيننا من ذات باب الطقس والتوحش وعدم التخلق كما قلت. كلنا يعرف الحقيقة أنك دلفت بوابة المجتمع السعودي من شرفة مدينة النماص، حيث البرد زمهريرا لما يقل عن عشرة أشهر بالعام، وحيث الضباب ربع أيام السنة. عشتم هناك سنين طويلة بين الجبال الخضراء وثلوج البرد. ماذا ستقول لتلك الأسر العريقة ولتلك المداميك التي كنت ضيفها وجليسها شبه اليومي؟ كيف يمكن لي تصديق نظريتك المزعومة حول متلازمة الطقس والأخلاق، بينما نديمتك السابقة (النماص) أبرد بكثير من طنجة أو أغادير، وأكثر اخضرارا وأشجارا من الدار البيضاء أو مراكش. سأكتب لك الخاتمة بكل الألم: إن كنت نادما على ثلاثين سنة عشتها هنا فنحن أبدا لن نندم على فتحنا الأبواب لك من أجل الحياة ومن أجل المستقبل. تقول بعض الأرقام إن مئتي مليون شخص حول الكون بأكمله بنوا حياتهم عبر العمل الشريف في هذا البلد، واحد منهم هو أنت، وأيضا بيتك الذي تقول إنك اشتريته في المغرب.