حمود أبو طالب

ودعت القاهرة سفيرنا لديها معالي الأستاذ أحمد قطان بعد فترة طويلة من توليه مهمة تمثيل المملكة في أكبر دولة عربية مرت خلال الأعوام الماضية منذ انطلاق ثورة يناير ٢٠١١ بأصعب ظروف يمكن تخيلها، إضافة إلى عمله مندوبا دائما لدى جامعة الدول العربية خلال مرحلة شهدت عواصف عاتية اجتاحت بعض الدول العربية واقتلعت منها أمنها واستقرارها وتماسكها وحولتها إلى ساحات من اللهب والفوضى.

والحديث عن السفير قطان الذي سعدت بلقائه مرات عديدة يستوجب بالضرورة الحديث عن اختيار السفراء بحسب طبيعة وأهمية الدول التي يمثلون المملكة فيها وتركيبتها السياسية ونوعية الحراك المجتمعي وعلاقة نظامها وشعبها بنا، فإذا كانت وزارة الخارجية لم توفق كثيرا في اختيار بعض السفراء الذين كان أداؤهم أو حتى وجودهم غير ملحوظ، فإن اختيار شخصية دبلوماسية كالسفير أحمد قطان في دولة كمصر كان اختيارا موفقا للغاية، فقد ملأ موقعه بجدارة وكان سفيرا رسميا وشعبيا وثقافيا وإنسانيا للمملكة.

لقد استطاع السفير قطان التعامل مع فترة بالغة الحساسية في مصر، شابتها تقلبات في علاقتها بالمملكة خلال فترة حكم الإخوان والفترة المضطربة التي سبقتها حتى استقرار الأوضاع بعد وصول الرئيس السيسي وتحسنها لاحقا، بدعم كبير سياسي ومعنوي واقتصادي لا محدود من المملكة، وفترة كتلك كانت تتطلب بالضرورة أداءً دبلوماسيا ذكيا وماهرا واحترافيا وديناميكيا وذلك ما أثبته القطان بجدارة. كما أن نشاطه لم يقتصر على الطيف السياسي المصري فقط، بل شمل المثقفين والأدباء وناشطي المجتمع المدني والفنانين والأكاديميين الذين يمثلون القوة الناعمة المصرية ذات الأهمية البالغة، وهذه النخبة الخاصة بالذات يصعب الاندماج معها ما لم تكن شخصية السفير مقنعة وعلى درجة جيدة من الوعي والثقافة..

علاقتنا بالشقيقة مصر الكبيرة علاقة خاصة واستثنائية، وفي ظل الظروف الراهنة تكتسب هذه العلاقة أهمية بالغة، كما أنها مستهدفة بخبث من جهات عديدة، لذلك يكون مهما اختيار السفراء الأكفاء من الطرفين لحماية هذه العلاقة المتميزة والدفع بها إلى الأفضل دائما. وفي سياق هذا الموضوع نرى من المناسب الحديث بصورة عامة عن معايير اختيار السفراء في كل الدول وليس الدول الكبرى أو المحورية، فالمملكة الآن في مرحلة مختلفة كلياً، مرحلة تقديم نفسها للعالم من خلال مشروع تنموي حضاري شامل، وقوة اقتصادية كبيرة، وثقل سياسي مهم، مرحلة تتطلب التعريف بها بشكل مؤثر، وبناء علاقات إيجابية مع كل الدول، وتقوية شراكاتها مع شعوب العالم، وتصحيح بعض المفاهيم الملتبسة عنها، وهذه مهمة حساسة وضخمة لا ينهض بها كما يجب سوى الأكفاء القادرين، وليس القادمين إلى منصب السفير كفترة استراحة لختام الحياة الوظيفية.