رياض نعسان آغا

يتفق العالم على أن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل سوريا، هذا ما تؤكده كل البيانات والتصريحات، فأما ما يؤكده الواقع، فهو أن السوريين باتوا أيتاماً على مائدة العالم، ينوب عنهم الآخرون في رسم مستقبلهم، وحتى النظام ذاته الذي هب العالم جله للدفاع عن بقائه، بات هامشياً يترقب ما سيصدر من قرارات دولية تحدد مستقبله ومصيره، وينتظر ما سيبلغه به الروس وأحياناً الإيرانيون عن نتائج مفاوضاتهم مع المعارضة المسلحة في العديد من الجبهات الساخنة، ويكتفي النظام بالتعبير عن الفخر والاعتزاز بانتصارت الروس والفرس على شعبه، ويزعم أنه هو المنتصر.

وينتظر السوريون ما تنجم عنه الاجتماعات الدولية حول قضيتهم ويتساءلون، هل سيهدد ترامب مرة أخرى بسحب قواته من سوريا، بينما هو يبني المزيد من القواعد العسكرية الأميركية فيها؟ هل سيحارب النفوذ الإيراني المتصاعد في الشرق الأوسط؟ هل تحمل تهديدات فرنسا وبريطانيا (الأخيرة) جدية في ضرورة معاقبة النظام السوري لاستخدامه الكيماوي؟ هل اتفق بوتين وروحاني وأردوغان على خطة واضحة غير معلنة لإنهاء القتال في سوريا وتعزيز السيادة السورية والوحدة الوطنية، رغم وجود حشود ضخمة من مختلف جيوش اللاعبين ؟ وهل وضعوا رؤية مقبولة لحل سياسي يقبل به السوريون دون قهر وإرغام؟ هل تتابع تركيا سيطرتها على المناطق المتاخمة لحدودها في شمال سوريا وصولاً إلى منبج ثم إلى جسر الشغور؟ وهل سيسمح لها أن تقيم المنطقة الآمنة المرجوة؟ هل ستشهد إدلب الهولوكست الموعود بعد تجميع المقاتلين المعتدلين والمتطرفين (معاً) فيها لإبادتهم وسحقهم وإنهاكهم، وهل ستهرق دماء عشرات الآلاف من المدنيين في حرب باتت دولية لاشأن لهم فيها؟ هل سيكون لتركيا دور في تجنب المقتلة الكبرى المرتقبة في إدلب، بحيث تستطيع إيجاد مخرج آمن لملايين السوريين الذين باتوا رهائن «النصرة» و«القاعدة»؟ 

وهل تتجاوز تركيا هدفها بإبعاد خطر الـ«بي. يي. دي» الكردية إلى التوغل حتى حدود حماه مثلاً ؟ وهل سيسمح الأميركان والروس والأوروبيون بامتداد النفوذ التركي مقابل الصمت على النفوذ الإيراني في دمشق وما حولها، وعلى النفوذ الروسي في وسط سوريا امتداداً إلى الساحل السوري، وعلى النفوذ الأميركي على امتداد الحدود السورية العراقية وفي الشرق السوري الغني بالنفط والغاز والثروات المعدنية والسلل العذائية؟ وماذا عن مصير حوران؟ هل سيكتفي النظام بالسيطرة على بعض التلال الاستراتيجية كتل الحارّة مثلاً، ومعبر نصيب وبعض نقاط التمركز؟ وكيف ستحل مشكلة وجود عشرات الآلاف من المقاتلين في الأراضي السورية عامة، وإلى أين سيتم تهجير المعارضة المسلحة لاحقاً ؟ وما الهدف من بقاء قوات لـ«داعش» في جوف دمشق وفي ركن معروف في حوران؟ وأي دور سيلعب هؤلاء في المستقبل القريب؟

هذه بعض الأسئلة الجارحة التي يتداولها السوريون، ويبدو السؤال الأكثر إلحاحاً عند السوريين: هل سيتم تقسيم سوريا حسب مناطق النفوذ الدولية الراهنة؟ وإذا تم هذا التقسيم بذريعة كونه واقعاً يصعب تجاوزه، فهل سيكون مرحلياً مؤقتاً ريثما يتم وقف إطلاق النار وتهيئة المناخ للعودة إلى المفاوضات، ومتابعة البحث عن دستور والتهيئة لانتخابات حسب ما اتفق عليه الرئيسان ترامب وبوتين في فيتنام؟ وهل يمكن أن تعود سوريا إلى مرحلة استقرار بوجود الأسد رئيساً مع تقديم الاعتذار له عما سبب له الشعب السوري من إزعاج؟ أعتقد أن إيران فقط بوصفها دولة تعيش على الأوهام والأساطير الدينية تستطيع الاقتناع بأن هذا ممكن، وبأن مزيداً من قهر الشعب السوري واضطهاده يجعلانه يعود إلى حظيرة الطاعة مذعناً، لكن الروس يدركون أن هذا محال، والأميركان مثلهم بارعون في تغيير الوجوه، وأما الشعب السوري فلم يعد لديه ما يخسره، وسيبقى مستمراً في ثورته التي ستعود سلمية، ولن يتمكن أعداؤها من إلباسها عباءة الدين والعبث بها مرة أخرى. ما ندعو إليه هو الحفاظ على الدولة السورية بوصفها كياناً متعدد البنى والوظائف، وليست مجرد نظام حكم طائفي مستبد، والحفاظ على الدولة هو حفاظ على استقلالها وحدودها وسيادتها وعلى حرية شعبها التي يرفضها النظام.