خليفة علي السويدي

حدثان إعلاميان مؤثران شهدتهما الإمارات العربية المتحدة خلال الأسبوع الماضي، أحدهما محلي والآخر عالمي. أما الحدث الأول، فيتلخص في السقطة الإعلامية المدوية، التي وقع فيها أحد مقدمي برامج البث المباشر الإذاعية. لن أستفيض في مجريات الحدث، لكن ملخصه في عدم قبول شكوى أحد المواطنين، ومحاولة تحريفها لمجريات غير وطنية، الحدث الآخر هو منتدى الإعلام العربي، وما شهدته أروقة من فعاليات وما احتوته أجندته من ورش ومحاضرات. الإعلام العربي بحاجة إلى وقفة صادقة نتجاوز خلالها مرحلة الفرقعات الإعلامية التي قدمتها لنا فقعات تعاني من مرض تضخيم الذات، وهو أحد انعكاسات أزمة نفسية أدت إلى بروز الشخصية النرجسية والتي من سماتها كما يقول أهل الاختصاص حب الذات المفرط الذي يقود إلى استغلال العلاقات مع الآخرين إلى حد لا نهاية له، وتضخم الذات ورؤية الآخر بدونية وتعال والمغالاة بما يقوم به والمبالغة بإنجازاته، والاقتناع التام بأنه العظيم الذي لا يمكن أن يقوم غيره بما يؤديه هو بسبب الإحساس الدائم بأن قدراته لا يملكها غيره من البشر، فخياله الواسع أدى إلى تضخيم أعماله في عينه حتى أنه لا يكاد يبصر غيره، ومن هنا أصبح الآخر بالنسبة له سلعة للمزايدة عليها فهم لا يستحقون منه التعاطف. وفي آخر مراحل تطور هذا النمط من الشخصيات تتزايد لديهم مؤشرات الغيرة والحسد والأنانية مما يقودهم إلى أنماط من العدوانية تجاه الآخرين والمجتمع. إنها شهوة الشهرة التي غطت بعض منسوبي الإعلام العربي، ما جعلهم يعيشون في وهم العظمة، تلك الأزمة التي سقطت بسببها حضارات من قبلنا، فالإعلام إما أن يرتقي بالمجتمعات إذا قاده أهل التميز والمنطق والعقل والحكمة، أو يهوي بالدول إلى دركات الانحطاط الأخلاقي والفكري، إذا تملكه غير الأسوياء.

عندما تتابع برامج الإعلام في بعض الدول العربية تجد تناقضات غير مبررة، فبينما يعاني الإنسان في تلك الدول من أزمات كلما خرج من أحدها تلقفته أختها، تجد أن مانشتات الإعلام المسموع والمرئي وكذلك المكتوب لا تخلو من التمجيد والثناء والإطراء، فهناك مشاريع معطلة، يُشاع أنها ناجحة، وهناك مدراء فاشلون نجحوا في شراء بعض الأقلام، فتحولوا إلى نماذج ناجحة مبهرة، والأخطر من ذلك أن مستوى الخدمات المقدمة للإنسان تنتقل من سيّء لما هو أسوأ، لكنها إعلامياً متميزة راقية، هذه النرجسية دفعت الناس لهجرة الإعلام التقليدي باتجاه الإعلام الجديد، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار حيث تتلقفهم مدونات الأقلام المسمومة والإشاعات المغرضة والمواقع المفبركة، كي تزيد من خيبتهم وتقلل من وطنيتهم، فكيف الخروج من نفق الهاوية إلى إعلام الإيجابية؟

الحل هنا في الإمارات، فكما أننا نمثل تجربة عربية ناجحة وفق المعايير العالمية، بفضل قيادتنا التي تدرك الواقع وتعرف الإبحار في محيطات الظلمات نحو مرافئ الأمان، فإن الاستجابة السريعة لما تعرض له المواطن في إحدى الإذاعات من انتهاكات تعلمنا أن قيادتنا جعلت حقوق المواطن من الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها، والإعلام ينبغي أن يُسخر لخدمة الإنسان قبل المكان، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بمناسبة افتتاح فعاليات الدورة السابعة عشرة من منتدى الإعلام العربي: (رسالتنا لوسائل الإعلام محلياً وعربياً واضحة، وهي تسخير كل الجهود لخدمة الوطن والمواطن أينما كان ودعم المسيرة التنموية والالتزام بمبادئ ومواثيق المهنة).