محمد سلماوى

 لا أجد مناسبة ولا جدوى لتلك الدعوة الغريبة للتحاور مع جماعة الإخوان المسلمين، والتى يتصدى لها البعض الآن فى الصحافة والإعلام، رافضين التحاور مع إرهابيين كانت الاغتيالات واللجوء للعنف من القواعد المؤسسة التى قامت عليها جماعتهم منذ إنشائها قبل تسعين عاما.

لقد حاولت بعض الدوائر الغربية أن تفرض علينا مثل هذا الحوار بعد ثورة الشعب على الإخوان فى 30 يونيو 2013 بدعوة الاعتراف بمختلف القوى الموجودة على الساحة، وإشراكها فى العملية السياسية، وهى الدعوة التى لم تأخذ بها تلك الدوائر ذاتها حين تعرضت لعمليات إرهابية كتلك التى نتعرض لها.

لكن إعادة طرح هذه القضية الآن من داخل البيت مسألة غير مفهومة وتثير من الشكوك أكثر مما تحل من المشكلات، فلا الظرف السياسى يدعو للحوار ولا الرأى العام مستعدا له، لذلك كان من الطبيعى أن تتصدى بعض الأقلام المشهود لها بالحجة فى هذا المجال لتلك الدعوة التى يقال إن البعض يحاول ترويجها، أو التمهيد لها.

إن الشعور الغالب بين الناس بعد ثورة 30 يونيو هو رفض فكرة التحاور مع من خضبت أيديهم دماء المصريين الطاهرة، سواء كانوا رجال شرطة أو جيشا أو مواطنين عزلا لم تكترث الجماعة كثيرا لوجودهم فى الأماكن التى قام عملاؤها بتفجيرها، بل فى بعض الأحيان كانت كلما ازدحمت مواقع التفجير بالناس كان نجاح عملياتهم الإرهابية الخسيسة أكبر بالنسبة لهم.

والحقيقة أننى بحثت عن الدعوة للحوار مع الإخوان فى اللقاء التليفزيونى الذى قيل إن الصديق الصحفى عماد الدين أديب طرحها فيه فلم أجد فى حديثه ما يمكن أن يفهم منه أنه يدعو للتحاور مع جماعة الإخوان الإرهابية، شيوخا كانوا أو شبابا، لقد قال الرجل بوضوح إن هناك قطاعات من الشباب غير منتمين للإخوان، لكنهم يتعاطفون معهم، وأن علينا أن نوضح لهم الأمور حتى نكسبهم.

لكنى مع ذلك وجدت نفسى أختلف مع عماد أديب، ليس فيما طرحه، فالدعوة لكسب شباب البلاد للطريق القويم وانقاذهم من الضلال، هو مبدأ وطنى مقدر، وانما فى الافتراض الذى قامت عليه تلك الدعوة، وهو وجود قطاعات عريضة من الشباب تتعاطف مع جماعة الإخوان وتوجهاتها الفكرية والسياسية، ذلك أننا نمر الآن بمرحلة جديدة تماما فى تاريخنا مع تلك الجماعة تختلف تماما عن التسعين عاما الماضية، ففى رأيى أن المهم فى ثورة 2013 الشعبية لم يكن مجرد أنها أسقطت حكم الإخوان، رغم الأهمية الكبرى لذلك، فما التاريخ السياسى للأمم إلا تتابع سقوط حكومات وقيام غيرها، وإنما المهم كل المهم، كان خروج الملايين من جموع المتعاطفين مع الإخوان والذين انتخبوهم للحكم، ليعلنوا تبرؤهم من الإخوان، ومن هنا كانت مطالبتهم للجيش بالتدخل لإخراج الإخوان من الحكم الذى تشبثوا به، وحصنوا أنفسهم بالاعلانات الدستورية، ورفضوا أن يستجيبوا لمطالب الانتخابات المبكرة، وهكذا فقد الإخوان فى ذلك اليوم المشهود القاعدة الرئيسية لقوتهم، وهى التأييد الشعبى الذى كانوا يتمتعون به بدرجات متفاوتة طوال ما يقرب من قرن كامل من الزمان، فالقوة الحقيقية للإخوان لم تكن محصورة فى أعضاء تنظيمهم الإرهابى، والذين تختلف التقديرات حول أعدادهم، وإن كانت تدور كلها فى محيط نصف المليون، وإنما كانت تنبع من الدوائر الواسعة للمتعاطفين معهم، والذين كانوا يحصون بالملايين، فهؤلاء هم الذين كانوا يمنحونهم أصواتهم كلما تمكنوا من ذلك، سواء فى مجلس الشعب أو فى الانتخابات الرئاسية، ويخطيء من يتصور أن الغالبية التى حصل عليها الإخوان فى مثل هذه الانتخابات آتية من أعضائهم، وإلا كانت غالبية الشعب المصرى أعضاء فى ذلك التنظيم الإرهابى.

إن السقوط العظيم وغير المسبوق الذى حدث للإخوان فى 30 يونيو هو أنهم لأول مرة فقدوا تأييد تلك الدوائر الشعبية من المتعاطفين، وهى الدوائر التى تعتمد عليها كل الأحزاب والقوى السياسية فى العالم، والأغلبية التى تحصل عليها تلك الأحزاب أو القوى فى أى انتخابات انما تأتى من هؤلاء المتعاطفين الذين عادة ما يمثلون أضعاف أعداد المنظمين من كوادر الحزب، والذى حدث فى 30 يونيو هو أن المتعاطفين مع الإخوان انقشعت عن أعينهم فى أقل من سنة الغمامة التى دامت تسعين سنة، فخرجوا بالملايين يهتفون ضد الأخوان، ووجدنا البسطاء من أبناء الشعب يلعنون الإخوان ورجالهم كما لم يحدث من قبل، فإذا ذكرت اسمهم لبائعة الجرجير الجالسة على الرصيف قالت لك بتلقائية: (داهية ما ترجعهم!)

إن الدعوة لكسب قطاعات الشباب المضللين وتبصيرهم بحقيقة الإخوان دعوة شرعية لا غبار عليها، لكنها تأخرت كثيرا، لقد كانت على حكوماتنا المتعاقبة على مدى العقود الماضية أن تتبنى مثل هذه الدعوة، ولو فعلت لما وصل الإخوان للحكم أصلا، لكنها ظلت - وللأسف مازالت - تواجه أصحاب ذلك الفكر المنحرف بالإجراءات الأمنية، وهو ما كان يزيد من تعاطف البسطاء معهم، لكن ذلك كله سقط فى مشهد مهيب يوم 30 يونيو، وهذا هو التطور النوعى الذى بدونه لا تصبح 30 يونيو الا تاريخا لسقوط حكم وقيام حكم آخر.

إن هناك من الإخوان من لا يجرؤون على كشف هويتهم، لذلك هم لا يقدمون أنفسهم على أنهم أعضاء فى الجماعة، وانما على إنهم متعاطفون معها، ويطالبوننا بالترفق مع الإخوان، وبفتح الأبواب أمامهم، بينما يواصل الإخوان أعمالهم الإرهابية التى تستهدفنا جميعا، أما تلك الجموع العريضة من المتعاطفين الحقيقيين مع الأخوان فقد تلاشوا أمام أعيننا يوم 30 يونيو كالرمال الناعمة التى تغوص فى الأرض ولا يعود لها وجود، ويا ليت حكوماتنا السابقة عملت بالفعل على محاولة كسبهم حين كانوا موجودين، وحين كانوا يشكلون القوة الحقيقية للجماعة .