حسين شبكشي

 في استراحة أحد المطارات العربية كنت أحتسي القهوة بانتظار موعد إقلاع طائرتي، وإذا بي أفاجأ بشخص ملامحه خليجية يأتي بقربي ويسألني: «أود الحديث معك... هل عندك مانع أن تتحدث مع رجل أعمال قطري؟»، أحسست أني أقابل مخلوقاً فضائياً من كوكب زحل في مجرة فضائية محايدة.

قلت له: «تفضل»، وأنا أتحسّب لفاصل من النكد وحرق الدم، عكّر عليَّ خلوتي. قال مسرعاً: «أنا أتابعك وأتابع كتاباتك وحضورك الإعلامي وهجومك المتواصل على قطر»، وأضاف: «بالله عليك، وأنا أتابع إعجابك ومحبتك للبحرين، كيف من الممكن أن تحب البحرين أكثر من قطر؟»، قاطعته وقلت له: «أعتقد أنه آن الأوان لأن يمد أبو حنيفة قدميه. ثم يجب أن نفرق بين الحكومة القطرية والشعب القطري، فالبحرين دولة حضارية أما قطر فجعلها حكامها دولة مارقة. البحرين قدمت نموذجاً ثقافياً حضارياً اسمه (ربيع الثقافة)، وقطر قدمت للمنطقة (خريف الخيانة). البحرين قدمت نماذج بديعة من القصص الناجحة، شخصيات وطنية أثرت الساحة... كل يدافع عن بلاده ويبني جسور المواطنة ويؤازر منطقته. وماذا قدمت قطر؟ حمد بن جاسم وحمد بن خليفة وكفى. قطر دمرت المنطقة وأعلنت الحرب عليها. الحكومة القطرية ادّعت أنها نصير للحرية والديمقراطية وهي رمز الانقلابات والفساد والطغيان وكبت الحريات. طالبت علانية بإسقاط أنظمة (الحكم) في المنطقة وما فعلته حقيقة هو اغتيال أنظمة (الحلم). اغتالت القدرة على الحلم لأنها نشرت الخوف والتطرف وفتحت المجال لأصوات الشر بتمكينها بالمال والجاه. قتلت عملية (السلام) في العالم العربي وأشعلت النار بعملية (الكلام)، كلام مسموم، كلام قاتل، كلام مدمِّر، ولكنه كلام. الفارق بينكم وبين البحرين هو رصيدكم البنكي، وهو لصالحكم، أما الرصيد الأخلاقي فهو لصالح البحرين، بل إن الرصيد المالي مرشح للتغيير بعد اكتشافات النفط الأخيرة في البحرين والتحسن الإيجابي في الوضع الاقتصادي لديها. الحكومة القطرية عالة على المنطقة مثل فيروس إيبولا، لا منفعة منها أبداً. فضحتها الأيام، والعزلة عنها وقاية وعلاج في آن واحد. حتى السعودية التي تهاجمها ليلاً ونهاراً تمر اليوم بأهم حالة تغيير وتطور وإصلاح وتبديل في تاريخها، وتخرج من كينونة (خصوصيتها) إلى (عالمية) جديدة لتكون مشاركاً فعالاً ومساهماً في المسيرة الإنسانية والعطاء البشري».

تذكرت حواري مع الرجل القطري واسترجعت أسباب انفعالي وأدركت أنه بالنسبة إليّ فإن حكومته تمثل كل ما هو قبيح في العالم العربي، النفاق والازدواجية، أن تقول ما لا تفعل، أن تروّج لما لا تستطيع تطبيقه عملياً على الأرض. هو تكريس لحالة انفصام الشخصية المستمر ولكن بهيمنة مال وإعلام لا تعرف الأخلاق. نظام نجح بامتياز في خلط المفاهيم. في إيجاد شرعية للتطرف، وقانونية للاستبداد، وقبول للإرهاب. في عدم الفصل بين الفوضى والثورة، وخلط بين النقد والسباب والتدين والتنطع.
ختمتُ حديثي مع الرجل القطري بقولي له: «راجع نفسك وراجع الهم الذي أتيت منه، استفق يا رجل وانظر إلى حجم الكراهية التي ولّدتموها في حقكم». قمت مغادراً مكاني، وفي دعائي أن يشفي المنطقة من إيبولا قطر قريباً.