أمل عبد العزيز الهزاني 

دائماً ما يكون العمل المؤسسي المنظَّم السبيل الوحيد لرأب الصدع في حالة العجز أو التقصير أو الخلل الذي قد يطرأ على المجتمع أو الخدمات المقدمة للأفراد نتيجة الأزمات أو الكوارث البيئية والصحية والاجتماعية.
بمتابعتي المتكررة كصاحبة رأي، لعمل كثير من الجهات الحكومية ومدى تحقيقها لرسالتها ورؤيتها وأهدافها، وما قد يعوزها أو ما تتفوق فيه من حيث تطبيق نظام حوكمة رشيد ينعكس مباشرة على أداء مهامها، أبدى كثير من هذه المؤسسات عملاً دؤوباً في هيكلة قطاعاتها لتنظيم العمل وتسييره حسب اختصاصاتها تماشياً مع «رؤية المملكة الجديدة 2030».
لكن في رأيي أن النموذج الأوضح في مأسسة العمل وحوكمته لتطبيق رسالته وتحقيق أهدافه هو مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. حالة قد أقول إنها فريدة من نوعها، ونموذج مثالي للمتتبع لصيرورة العمل، ومحاولة تنفيذ استدامة خدماته، ودراسة لا تتوقف لرصد آثاره في الدول التي يقدم إليها خدماته.
تأسس المركز تزامناً مع عاصفة الحزم في اليمن، التي هبّت لإعادة الشرعية اليمنية بعد اختطافها على يد ميليشيا أنصار الله الحوثية بدعم إيراني. كان المركز ضرورة لتقليص تداعيات الحرب على المدنيين الذين ستقع عليهم أثرها على أي درجة كانت. ويذهلنا اليوم، حقيقة تُرى بالعين المجردة، أن تحالف دعم الشرعية الذي يعمل على إعادة الأمل لليمنيين، يبذل جهوداً عظيمة لتقليل معاناة المدنيين بوسائل شتى يصعب حصرها في مجال التغذية والصحة والبيئة والإمداد المالي المباشر، بينما يحاول الطرف المقابل (الحوثيون) عرقلة هذه المساعدات عمداً عن بني جلدتهم لتحقيق الهدف العكسي، وهو مضاعفة معاناة الناس لتظهر الحرب المشروعة دولياً كأنها حرب ضد المدنيين.
يهمني هنا أن أوضح ما قد لا يكون في علم بعض المتابعين لشؤون المركز. فهو وإن كان تأسيسه قد تزامن مع حرب اليمن، ومعظم خدماته موجهة إلى اليمنيين، لكنه في الحقيقة يتبنى قيمة عظيمة سماها «إنسانية بلا حدود». وهذا يعني أن خدمات المركز تشمل كل دول العالم، دون النظر إلى العرق أو الدين أو الجنسية، في حالة الأزمات أو الكوارث التي قد تصيب أي بلد في العالم. وفي هذا الجانب، يراعي المركز أموراً إنسانية دقيقة جداً قد لا تخطر على بال أحد، كحالة تقديم الإغاثة في بلد مع مراعاة مشاركة السكان المحليين مع موظفي المركز، واتباع خطط الدول المنكوبة للإغاثة في حال كانت لديهم، وتقديمها كأولوية، وشراء المواد الإغاثية من السوق المحلية ليكون التجار المحليون شركاء في العمل إنْ سمحت الظروف، والأخذ في الاعتبار ثقافة البلد الدينية والثقافية أو ما يخص المرأة. منهج أخلاقي رفيع وضعه المركز نصب عينيه.

للمركز مميزات أيضاً قد لا تكون ظاهرة كما تظهر الأرقام الهائلة المخصصة للإغاثة في اليمن وفلسطين والصومال وأفغانستان وباكستان وسوريا ومخيمات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، التي بلغت حتى الآن مليار ريال. هناك ميزة كبيرة عالجت مشكلة كنا نعاني منها في المملكة وأثّرت على سمعتنا الخارجية، وهي أن المركز أصبح الوعاء الوحيد في الدولة لتبرع الأفراد ورجال الأعمال والمؤسسات للدول المذكورة أعلاه، وبطرق ميّسرة من خلال الحساب البنكي مباشرة. باستعراض الصفحة البنكية للراغب في التبرع ستظهر الحسابات البنكية المخصصة لهذه الدول، والتي تخضع لمراقبة من مركز الملك سلمان. وهنا أصبحت قنوات التبرع واضحة وقانونية بخلاف الفوضى التي كانت في السابق، والتي أدت إلى وصول الأموال إلى غير مستحقيها، وتسببت في تمويل جماعات خطيرة من متبرعين أو من يجبون أموال الناس لمآرب أخرى ومقاصد سياسية بعيدة عن العمل الإنساني. بالإمكان اليوم أن يتبرع الفرد أو المؤسسة للشعب الفلسطيني مثلاً، وسيجد أن هناك حسابين للتبرع؛ أحدهما لفلسطين عامةً وآخر لغزة، وهكذا. عمل منظم تحت رقابة صارمة لا يترك مساحة لتسرب ريال واحد خارج المملكة لأي جهة غير مدرجة ضمن القائمة. كما أنه يتيح فرصة للعمل الإنساني المجتمعي للراغبين في إرسال مساعداتهم المالية مع ما يرونه على شاشات التلفزة من أزمات إنسانية، وتخفف مساعداتهم هذه من شعورهم بالألم إزاء معاناة الآخرين البعيدين عنهم.

المركز وضع ميثاقاً أخلاقياً يمثل منهجية العمل، ومسؤوليته تجاه تخفيف معاناة الناس الناتجة من الحروب أو الكوارث البيئية والصحية، يعمل جنباً إلى جنب مع المؤسسات الدولية المعنية. لذلك عندما زاره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في فبراير (شباط) 2017 قال: «إنني شهدت مولد هذا المركز عندما كنت مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، وشعرت بالتفاؤل اليوم لرؤية المركز وهو يطور أنشطته بالتزام قوي تجاه المبادئ الإنسانية، ليس فقط في ما يتعلق بسوريا واليمن، ولكن في دول كثيرة حول العالم. أتمنى لجميع العاملين بالمركز كل النجاح في مساعدة الكثيرين من المنكوبين والمحتاجين حول العالم».
اليوم نحتفل بمرور 3 سنوات على تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي أثّر ولا يزال يؤثر في مصائر أفراد ومجتمعات شتى حول العالم. كثير من أعماله ربما غير معروفة لدى سكان منطقتنا، وربما يعرفها العاملون في المؤسسات الدولية الإغاثية أكثر من السعوديين أنفسهم، لكن الثابت والمعروف أنه من دون هذا المركز كانت مآسي الناس ستصبح أشد وطأة، وحياتهم أكثر تعاسة.
وأخيراً، بكل محبة وامتنان نقول؛ فليبارك الله جهود القائمين على المركز ويمدهم بعونه.