حسن قايد الصبيحي

لعل قضية المواطن المزروعي التي شهدتها الساحة الإماراتية مؤخراً، وكانت لها أصداؤها المهمة محلياً، جديرة بالمعالجة والرأي، وذلك عقب اتصال المواطن ببرنامج مباشر كان يفترض أن يكون جماهيرياً يقدم خدماته ويعتني بشؤون شريحة من المجتمع ممن لا يمتلكون وسائل للتواصل مباشرة مع الجهات المسؤولة ممن لديها صلاحية اتخاذ القرار. وقد أسهبت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجماهيري، صحافة وإذاعة وتلفزيون، في تغطياتها الواسعة للموضوع وفي نشر ردود الأفعال الرسمية حوله.

وقد اتضح أن صاحب القرار الإماراتي يسعد لمشاهدة الإعلام وهو يؤدي دوره ويتبنى مضموناً شجاعاً وإيجابياً ودون مجاملة أو تشويه أو تزوير للحقائق، فضلاً عن التعرف إلى وجهة نظره فيما يدور حوله من نشاط وطني، سواء أكان حكومياً أم أهلياً، وهو ما يفوت أحياناً على بعض العاملين في وسائل الإعلام، فيتصرفون وفق تقديرات شخصية وغير واقعية.

لذلك قد يحدث أن مذيعاً قليل الخبرة ركب موجة غريبة على واقعنا، ربما متأثراً بالمدارس الإعلامية لبعض البلدان القمعية، حيث تتم زراعة شريحة إلكترونية مشفوعة بجرعة من الخوف في عقول الصحفيين، فلا يملك الواحد منهم سوى تمجيد المسؤول وتسفيه وتحقير المواطن صاحب الحق المسلوب في تلك البيئات الدكتاتورية.

انتبهوا أيها الإعلاميون، فأنتم في الإمارات وطن المؤسس زايد، والقائمون عليها خريجون متفوقون من مدرسته لبناء الدول والرجال، ولستم في بلد جاء قادته على ظهور الدبابات أو على أنات المحرومين.

إن الدرس الذي يجب أن يتعلمه الجميع، صحفيون وقراء ومسؤولون إعلاميون، هو أن الإنسان في هذه الدولة محط أنظار الجميع، وكل شيء مهما ارتفع ثمنه لا أهمية له أمام قيمة إنسان الإمارات. إن المزروعي الذي دافع عن وجهة نظر البسطاء لم ينظر له كبار المسؤولين على أنه محرض ضد الدولة أو متآمر على أمنها واستقرارها، بل على العكس تماماً، إذ قوبل كلامه بترحيب وحفاوة وانتقل من موقع المتهم الذي أراد أحد الإعلاميين أن يضعه فيه إلى واجهة الصدارة، حيث كرّمه قادة وطنه على شجاعته بالجلوس والمشاركة في اجتماع مجلس الوزراء، وسماع القرارات التاريخية التي أصدرها المجلس بنفسه والاستجابة لكل المطالب التي ذكرها في المقابلة، برغم الضغط الذي تعرض له ومصادرة رأيه ومنعه من إيصال صوته إلى قادته، وهو الذي يعرف مدى حرصهم على الإنصات لصوته، وصوت المواطن مقدس في وطن المحبة والتكافل ورعاية حقوق الإنسان. لقد سمع المواطن ورأى بأم عينيه كيف تم تكليفه شخصياً بمتابعة مراحل تنفيذ ما اتخذ من قرارات.

ولا شك في أن تاريخ الإعلام سوف يعيد قصة المزروعي وينوه بحرص السلطة في الإمارات على صيانة الحريات، وهذه شهادة لابد أن يعتني بها المؤرخون من حيث إنها تجسد واقع الدولة الحديثة التي تملأ حياتنا حيوية وألقاً. وهناك الكثير مما يمكن أن يقال تطبيقاً على واقع العلاقة بين ما يعرف علمياً، أي العلاقة بين الإعلام والسلطة وجمهور الإعلام. فقد جرت العادة أن تتنازع السلطة والصحافة الأدوار لتحديد المضمون الإعلامي أو ما يعرف بترتيب الأولويات. وفِي العادة يكون الإعلام هو الجانب المدافع عن الحريات. لكن في الإمارات نجد أن السلطة بدت، وفِي أكثر من مناسبة، باعتبارها المدافع الأجدر والأكبر في الذود عن الحريات وعن حقوق المواطن. وهي لا تفوِّت فرصة للتأكيد على ذلك، رغبة في إظهار الحقيقة دون زيف وفي إبراز الواقع دون مراء.

وأخيراً لا يفوتنا إلا أن ننوه بهذا الحدث وبالبحث في مدلولاته الكثيرة. ذلك أن الإعلام، وفِي أرسخ مدارس الحريات فيه، يحتاج إلى تنظيم ومتابعة. وتزداد هذه الحاجة في حالة إعلامنا العربي الذي يفتقر إلى التجانس، إذ أن الكادر الإعلامي العربي يتشكل من مدارس صحفية متعددة ينقصها التجانس وتعاني من ظاهرة الارتباك. لكن في دولة الإمارات نُفاجَأ بأن الصحافة الحكومية أكثر جرأة من الصحافة الخاصة وغير الحكومية. نحن نرصد هذا الواقع ونرى هامش الحرية للصحف الحكومية أعلى من الخاصة، وذلك دون أدنى تأثير من خارج المؤسسة الصحفية ذاتها ودون تدخل من قبل السلطة الرسمية.

إن ذلك الأمر يحتاج إلى بحث ومتابعة من قبل الجهات القائمة على دعم الإعلام وضبط إيقاعه. فتأهيل الكوادر الصحفية، بمن فيهم بعض الإعلاميين التقليديين المتكلسين الذين تجاوزتهم المراحل وباتوا يشكلون عقبة في طريق تأكيد مهنية الإعلام الإماراتي وحيوية أدائه المهني، لا ينبغي أن يظل موضع تردد أو تسويف من القائمين على هذا الحقل المهم في مسيرتنا الوطنية الناجحة والمنتصرة.

*أكاديمي إماراتي