رامي الخليفة العلي

«واتفق الرؤساء الثلاثة على مواصلة التعاون من أجل إحلال السلام والاستقرار في سورية»، هذا جزء من البيان الذي خرج من الاجتماع الذي التأم في العاصمة التركية أنقرة، وضم بوتين وروحاني وأردوغان، وبينما كان الحديث عن السلام يرتفع في أروقة الاجتماع كانت أصوات المتفجرات لا تفارق سكان الغوطة الشرقية. بينما كان قادة محور روسيا وإيران وتركيا يوقعون بيانهم كان الأطفال والنساء والشيوخ من سكان الغوطة الشرقية يوارون الثرى كقرابين على مذبح السلام الموعود.

ولنا أن نتساءل أي سلام هذا وإيران جمعت شذاذ الآفاق من كل حدب وصوب من العراق وأفغانستان ولبنان وغيرها من بلاد الخراب الإيرانية، وأنشأت الميليشيات الطائفية وراحت تعبث بالجسد السوري تغييرا في الهوية وتخريبا في الديمغرافية وتهجيرا على أساس المذهب وقتلا لا يستثني كبيرا أو صغيرا. أي سلام وروح الانتقام لا تزال تعشعش في الزوايا المظلمة من نفوس الملالي، وقد دفع الشعب السوري ثمن الأحقاد الطائفية المريضة، التي لم يبق ذيل من ذيولهم إلا وعبر عنها. احتلال وسيطرة على القرار السياسي وبناء مستوطنات مذهبية على حواف عاصمة الأمويين، ورسم ممرات إستراتيجية لأذرع طائفية من طهران إلى الضاحية الجنوبية، بنيت على أجساد السوريين، وبعد كل هذا لا زالت أكذوبة المقاومة كاللبانة في فم من فقد الحجة والمنطق والعقل.

أي سلام والسيد أردوغان لم يستطع أن يحمي أي قرية أو بلدة أو مدينة، وهو كما كان يدعي الضامن لاتفاق مناطق خفض التصعيد الذي تم التوافق عليها في أستانة. على عين تركيا دخلت قوات النظام وميليشيات إيران حلب وهي خاضعة لمناطق خفض التصعيد. بل إن المعارضة فقدت منذ التوقيع على تلك الاتفاقية أكثر من نصف المناطق التي كانت تسيطر عليها قبل الاتفاق. أما الرد التركي فهو خطاب ناري خلف ميكروفون أو التقاط صورة مع سيدة أو طفلة. لم يستطع العقل التركي أن يتجاوز بعبع الأكراد، وأصبح كل همه تقسيم مناطق نفوذهم، حتى وإن كان الثمن دما يدفعه السوريون كلهم. أما أولئك الذين بحت أصواتهم وهم يهتفون لأردوغان وآلمتهم أيديهم وهم يصفقون له، فلم يعد لديهم سوى أن ينتظروا خطابا آخر تذرف فيها الدموع الكاذبة.

أي سلام والطائرات الروسية في كثير من الحواضر السورية لم تترك حجرا على حجر، ولم تميز بين مسلح ومدني، فأصبح الدم السوري مشاعا يشرب منه كل متعطش للدماء، فحولت تلك الطائرات سورية بشعبها وحضارتها وروحها مجرد بيدق صغير في لعبة الأمم. قواعد عسكرية ومرتزقة أجانب واعتبار هذا البلد من بقايا ممتلكات القيصر وطموحاته الإمبراطورية، لم يجد القيصر أفضل من الشعب السوري لكي يعيده إلى الخارطة الدولية، حتى وإن كانت العودة خادعة والرهان خاسرا.

أي سلام والشعب السوري فقد أكثر من نصف مليون قتيل في أكثر الإحصاءات تفاؤلا، وأكثر من مليون جريح فقدوا القدرة أن يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم، وملايين المشردين في أصقاع الأرض. هذا الشعب السوري الذي لم يكن يستحق أن يكون له كرسي في اجتماع أنقرة، فهذه الدول أصبحت وكيلته وتقرر عنه. وما على الشعب السوري إلا أن يستجيب ويقتنع أن هذه الأطراف تريد به خيرا بعد كل ما فعلت.

أي سلام وخارطة سورية أصبحت على طاولة تقاسم النفوذ يغرزون أنيابهم وأظافرهم لكي يحظى كل طرف بالقسم الأكبر منها. كل بحسب قدرته، تركيا أخذت الشمال الغربي وأطلقت يدها لكي تحتل عفرين وهي تريد التوجه إلى منبج وشرق الفرات، روسيا أنشأت قواعدها العسكرية وهي تقول إن بقاء النظام كان بفضلها. إيران تسيطر على محيط دمشق والقلمون وصولا إلى البادية السورية، لكي توصل مناطق نفوذ ميليشياتها في العراق وسورية.

لذلك فقبل أن يجف حبر البيان، وقبل أن يغادر ضيوف أردوغان أنقرة، كان الهجوم الكيماوي يحصد أرواح السوريين في دوما، تموت النساء ويختنق الأطفال، وتهرب الحياة من بين الجدران المهدمة والبيوت الخربة. في دوما وقبل ذلك في حلب وحمص وخان شيخون ودير الزور وغيرها من الحواضر السورية تتكرر مآسي السوريين، بينما تستقيل الإنسانية من قيمها وتسقط القوانين والمواثيق الدولية، ويضمحل الضمير العالمي.

تذهب القوى الدولية مرة أخرى إلى مجلس الأمن في مكلمة ملّ منها السوريون وحفظوها عن ظهر قلب، المناكفة الدبلوماسية وصراع الديوك على الطاولة الأممية لم يغن السوريين في شيء، سوى مزيد من الآلام. ولعل المختلف هذه المرة أن هناك تحالفا يضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا يريد أن يعمل حتى ولو كان من خارج مجلس الأمن. ولكن إذا كانت هذه العملية العسكرية ستكون شبيهة بتلك التي تمت في شهر أبريل /‏ نيسان من العام الماضي، فإنها ستكون عملية استعراضية ورمزية لن تغير شيئا. إن أي عملية عسكرية لا تغير الموازين على الأرض ولا تحاسب من نفذ مجزرة الكيماوي في دوما سوف تكون لذر الرماد في العيون، وهي سوف تمكن للإيرانيين أكثر في سورية، وسوف تعيد الأزمة إلى المربع الأول، وهو تقسيم النفوذ بين الدول الكبرى والأطراف الإقليمية على حساب دماء وآمال وأحلام الشعب السوري بالأمن والسلام، وسوف تجعل من سلام أنقرة إنموذجا سيئا للحل في سورية.