علي نون 

علي نونفي ذروة المنطق المقلوب الذي يحيل تدمير سوريا إلى انتصار مجلجل! وصيرورتها كل شيء وأي شيء سوى ما كانت عليه من «قلب للعروبة» لا يكلّ من النبض والخفقان! وتحوّلها في العموم والتفصيل والبنى البشرية والعمرانية والمؤسساتية إلى خراب تام ومكتمل ومستدام.. وحيث هذه الذروة التي تستقر فيها العين «الممانعة» و«المقاومة» مطمئنة إلى رحابة الهاوية أمامها، لا ترى فيها سوى «الأعداء» والمتآمرين والمتصهينين والتكفيريين والأميركيين والأوروبيين والعرب أجمعين ومن لفّ لفّهم إذا كان ذلك ممكناً لا يزال، متكوّمين فوق بعضهم بعضاً.. في تلك الذروة المستحيلة يصبح التصدّي لصواريخ الغارة الإسرائيلية على المطار القريب من تدمر «انتصاراً» في ذاته! خصوصاً إذا اقترن بادّعاء «إسقاط» خمسة من ثمانية صواريخ أُطلقت «من فوق لبنان»!

و«الانتصار» بيّن ولا يحتاج تلميعاً ولا صقلاً! باعتبار أنّه أمكننا أخيراً، أن «نعرف» تماماً أن إسرائيل قصفت! وأن المستهدَفين أعلنوا ما حصل! وأنّ «العدو الغاشم» رمى ما رمى وأصاب ما أصاب وأوقع ما أوقع من خسائر بشرية معروفة أسماء أصحابها وهويّاتهم ووظائفهم! وأنّ ذلك في جملته، استدعى كي يكتمل ويتم، وصول عدد الغارات الجويّة الإسرائيلية إلى رقم يقارب المئة وعشرين غارة على مدى السنوات القليلة الماضية!

وليس قليلاً هذا «التطور» النوعي؟ في أداء قوى الذروة «الممانعة» و«المقاومة»! ووصول «التجرّوء» عند أهلها وأصحابها إلى حدّ الكشف الصريح والمباشر والتفصيلي وبالصوت والصورة، عن تعرّضهم لغارة إسرائيلية!! وخروجهم من طور النكران إلى طور الإعلان! ثمَّ تمرير خبريات ومواقف مضادة لا تقل سطوعاً وإشعاعاً من نوع أن القرار اتخذ «بالتصدي لأي غارة» إسرائيلية أو غير إسرائيلية مع الحرص على طي صفحة القول المأثور بـ«الاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبَين» والامتناع عن تكراره تبعاً لضمور جدواه التطبيليّة والتعبوية! وتحوّله مع الوقت إلى نكتة لا تدغدغ خواطر أحد! ولا تستدعي حتى افتعال أي ابتسامة أياً يكن لونها!

في منطق هؤلاء الإعجازيين ما يحيل السامع والمتلقي إلى ساكن في عالم افتراضي! حيث أنّ المذبحة المفتوحة تجري في مكان آخر غير سوريا! والتدمير ضرب ويضرب في غير أهلها ومدنها ودساكرها وعمرانها! والحرائق مندلعة وناشبة في دول «الأعداء» وحواضرهم! والاستنزاف المادي والبشري والقيمي والأخلاقي أصاب ويصيب هؤلاء في مختلف نواحيهم وديارهم! وأنّ إسرائيل تحديداً، تئنّ وتتلوّى وجعاً وألماً على ما أصابها على مدى السنوات السبع الماضيات! وأنّها هي التي تتعرّض لغارات جويّة تضرب قواعدها وقوافلها ومنشآتها العسكرية.. ولا تتجرأ على الشكوى! وأنّ بشار الأسد في المحصّلة، هو رجل عمران وعلم وليس سفّاحاً كيماوياً وغير كيماوي! وأنّ "إنجازاته" التي جاءت بالإيرانيين والروس لإعانته على السوريين، لا تُضاهيها أي إنجازات مماثلة في التاريخين البعيد والقريب! ويكفي أنّ على يديه "تهجّر" المحتلون الإسرائيليون وعاد اللاجئون والنازحون الفلسطينيون إلى أرضهم وأرزاقهم! ومعهم عاد لفيف من السوريين يقارب العشرة ملايين بني آدم كي يرمّموا في فلسطين مصايفهم ومنتجعاتهم! وأن دول الأرض وشعوبها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً "تتمنى" لو عندها شبيه بشّار ولو من درجة عاشرة! وأنّ السوريين وأهل "الهلال الخصيب" محسودون على طول الخط، لوقوعهم في مرمى حُكْمِهِ وحِكمَتِهِ وصِفَاتِه الخلاّبة..

في عالم الممانعة ومنطقها ودنياها، ما يكفي من العدم والعبث، يجعل أطفال الغوطة إرهابيين تكفيريين لا ينفع معهم سوى السلاح الكيماوي الثقيل! وما يكفي بعد ذلك لجعل الاستئساد أمام القريب الضعيف والركوع أمام القوي الغريب، فعلاً إنجازياً تام الصفاء والنقاء!!