إميل أمين

 وقت ظهور هذه السطور للنور تكون القمة العربية على بعد ساعات من الانعقاد في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية. حديث القمة العربية يمكن له أن يكون حديث المرثيات والبكائيات، لكنه يمكن أيضاً أن يستلهم من اللغة الصينية روحها، بمعنى أن الأزمة تعني الخطر، وتعني الفرصة وعلى المرء أن يختار، ما بين أن يتوقف جافلاً أمام الأخطار المحدقة بنا من كل جانب وبين الجرأة على المعالجة. من أين لأي محلل سياسي محقق ومدقق أن يوصف، أو يُشخّص حال ومآل العالم العربي عشية القمة؟ بالقطع لا يمكن التنظير دون الإحاطة بالمشهد العالمي المضطرب إلى أقصى حد، وفي التصادم الحادث في الزحام بين القوى الكبرى المتصارعة على النفوذ كشأن الخليقة من المبتدأ وحتى الساعة، يبدو أن الشرق الأوسط بات ومن جديد رقعة شطرنج إدراكية، حيث تدور الحروب بالوكالة تارة، والضربات الجوية التي تستبيح سيادة الدول المستقلة تارة أخرى، وما بينهما تبقى مخططات التقسيم من أطراف أجنبية تجاه أرض العرب قائمة حتى إشعار آخر، ولقاء بوتين وروحاني وأردوغان مؤخراً خير دليل وشاهد على ما نقول به.

تنعقد القمة والجسد العربي يئن من جراحاته التي لم يشف منه بعد، بل ومن أسف شديد، يوماً تلو الآخر، تتعمق وتترسخ من اليمن، حيث لا يبدو حل قريب في الأفق ما يدعو عند لحظة بعينها إلى استدعاء سيناريو التدخل البري، مروراً بالعراق الذي قسّمته الطائفية والمحاصصات المذهبية في نومه وصحوه، مروراً بسوريا مأساة العصر، والبقعة والرقعة المرشحة لأن تكون أداة انفجار لحرب كونية عند نقطة معينة من ارتفاع درجة حرارة أدمغة الكبار المتصارعين من حولها، وصولاً إلى ليبيا تلك التي كانت دولة موحدة ذات مرة قبل سبع سنوات لا أكثر، وها هي شبه دولة وسيناريوهات التقسيم تحوم فوق سماواتها، فيما شبابها وشيبها سكتوا عن الكلام المباح، وانعطفوا الى لغة الكلاشينكوف التي تسفك الدماء، وبدهي أنه كلما سالت الدماء تعذرت المصالحة.

يلتئم شمل أصحاب الفخامة والسيادة، من ملوك ورؤساء العالم العربي وفي الأفق عدة إشكاليات جوهرية لابد من معالجات جراحية نافذة وفاعلة تجاهها، ولا يعني الأمر إعلان الحروب، بل التفكير العلمي والمنهجي السليم في مجابهة العقبات وتحدي الصعوبات والقفز على المنحنيات الخطيرة.

في مقدم تلك الإشكاليات يأتي الإرهاب، ذلك المرض الذي لا ينفك يهدد مستقبل العالم العربي ويصيبه في أعز ما يملك، شبابه وأمنه، حاضره ومستقبله، ولا يغرنّكم الحديث عن انكسار «داعش»، فهي ليست إلا عرض لمرض هو نقص المناعة في الجسد العربي، المناعة ضد الاختراق العقائدي، وكذا الأيديولوجي، كما أن السيد المسيطر والقوى المحركة لتلك الجماعات لن تعجز عن ابتداع شياطين جديدة، ربما تكون خليطاً من «القاعدة» و«داعش» وما لايعلمون، ولهذا فإن التحدي الأول والأهم هو رسم خريطة فكرية لنشوء وارتقاء مسار عقلاني وإيماني عربي يكون هو لغة الخطاب العربي – العربي، مسار يقطع الطريق على الأصوليات الظلامية، ويبعد كثيراً عن العلمانية الجافة المسطحة، وهذه قضية تستحق قراءات مطولة.

التحدث الثاني يتمثل في معضلة «عزل الخبيث»، وهو هنا معروف للقاصي والداني، عبر مؤامراته وخططه للنيل من استقرار دول الخليج وبقية العوالم والعواصم العربية، الخبيث الذي لا يرتدع رغم أشهر المقاطعة العربية الطويلة تجاهه، وهو يرتكن في أمنه وطمأنينته إلى الدعم الخارجي، والجميع يعلم أنه ليس إلا أداة وخنجراً في الخاصرة العربية يستخدمه الآخر الأجنبي، فهل تضع القمة أمام قطر الخيار الأخير فإما القبول بما ترتئيه الأسرة العربية، أو حلول وقت «اعزلوا الخبيث من بينكم»؟

ثالث التحديات بات يتمثل في إيران تلك التي كانت وستظل عبر الزمان والمكان العدو والخصم الأول للعرب والسُنة، وهي لا توفر أحقادها التاريخية ودسائسها اليومية، وربما تستغل منطقة الخليج العربي برمته كرهان في لعبتها مع القوى الكبرى، والجميع يعلم تمام العلم أن نواياها الخبيثة تضمر حكماً حيازة سلاح نووي وحتى الاتفاقية سيئة السمعة مع المجتمع الدولي، تكاد تصرح لها بذلك بعد عقد من الزمان تقريباً، فيما لا تنتظر تلك العتبة وتهدد الجميع بصواريخها الباليستية، التي تطول اليوم أوروبا، وغداً أميركا في تكرار نمطي لأزمة كوريا الشمالية.

دعونا نذكّر بأن طهران وواشنطن وبينهما تل أبيب يلعبون لعبة حلف المصالح المشتركة منذ زمن بعيد، فيما يبقى العرب الخاسر الأكبر، والسبب هو الرهان على الحصان الخاطئ، فيما الصواب هو الرهان على الذات. على بعد أقل من أسبوعين هناك سبعة عقود تمر على نكبة فلسطين الجرح الأكبر عربياً وإسلامياً، ولهذا عندما يسألونك عن القمة العربية، قل فعلاً إنها قمة المسير والمصير... فانظر ماذا ترى؟