القاهرة – رحاب عليوة 

يودّع ميدان الأوبرا وسط القاهرة آخر مبانيه التاريخية؛ فندق «غراند كونتيننتال»، بعدما شرعت السلطات البلدية تهدمه، لتقيم مكانه مركزاً تجارياً يُتوقع أن يُفتتح بعد ثلاث سنوات.

وجاء قرار الهدم بعد سنوات طويلة من إغلاق الفندق الذي شيّده المهندس الإيطالي غاستوني روسي ليستقبل ضيوف افتتاح قناة السويس، وكانت شرفته ملتقى كبار السياسيين والفنانين والمثقفين، لكونه يطل على حديقة الأزبكية الشهيرة ودار الأوبرا التي أمرَ بإنشائها الخديوي إسماعيل (1869)، ودمّرها حريق هائل أوائل سبعينات القرن الماضي.

مبنى «غراند كونتيننتال»، شُيّد على الطراز المعماري الفرنسي - الإيطالي أواخر القرن التاسع عشر على شكل حرف «E»، بمساحة تبلغ 10733 متراً مربعاً، وهو من الأماكن المفضّلة لكبار زائري مصر، خصوصاً أنه يتوسط ميدان الأوبرا الذي كان واحداً من أجمل ميادين العالم.

ولكن، سرعان ما لحق الخراب بهذا المبنى بعد أن أشيع أن «لعنة الفراعنة» أصابته لأن اللورد الإنكليزي كارنارفون الذي كان يموّل بعثة الأثري هيوارد كارتر للبحث عن قبر توت عنخ أمون، كان يقيم فيه عندما لسعته بعوضة في خده، وتوفيّ في غرفته. يعتبر «غراند كونتيننتال» قطعة نفيسة من تاريخ مصر، إذ استضاف اجتماعات ومؤتمرات وطنية لسعد زغلول وحزب الوفد إبان مفاوضات المطالبة بجلاء بريطانيا، كما أقامت في أجنحته شخصيات منحت حجراته قيمة تتمناها الفنادق الأخرى. وانتهى الأمر بإصدار محافظة القاهرة بداية العام الماضي، رخصة الهدم النهائية، وتعويض أصحاب المحال التي تقع أسفله، ما أثار غضب أصحاب المحال والكثيرين من المشتغلين بالآثار.

وبهدم «غراند كونتيننتال»، لم يعد لميدان الأوبرا أي صلة بماضيه، سوى تمثال إبراهيم باشا وحديقة الأزبكية التي طاولها الإهمال أيضاً. لكن شركة «إيجوث» شددت على أنها ستراعي أن يتخذ المركز التجاري الذي ستبنيه في مكان الفندق، الطراز المعماري نفسه للمبنى التاريخي الذي أصبح في خبر كان.

بدأت أعمال الهدم قبل نحو ثلاثة شهور، وانتهت «إيجوث» من هدم الطبقات الثلاث للفندق، فيما تتبقى الطبقة الأرضية التي تضم أكثر من 400 متجر يرفض أصحابها إخلاءها، ورفعوا دعوى تطالب بعدم المس بأوضاعهم بموجب عقود إيجار دائمة أبرمتها الشركة المعنية معهم.

وقال محمود حسين، صاحب متجر لبيع الملابس، لـ «الحياة»: «يريدوننا أن نرحل والقبول بعرضهم، لكننا سنظل في أماكننا بانتظار حكم القضاء. والدي استأجر المحل عام 1971، ولن أتخلى عنه».

ووعدت الشركة المعنية بتوفير محال بديلة داخل المول عند تدشينه، مع صرف مبالغ تعويض تصل إلى عشرة أضعاف قيمة الإيجار الذي يدفعونه خلال ثلاث سنوات. وشكّك حسين في الأمر قائلاً: «إذا منحونا 400 متجر، فما الذي سيتبقى من المول؟ وما الذي سيربحه المستثمر حينئذ؟». وعلى رغم أن غالبية المارة وسط القاهرة لا يعلمون تاريخ الفندق أو الأزمة بين الشركة وأصحاب المحال نتيجة هدمه، إلا أنهم يلحظون تبدلاً وسط العاصمة، فهناك مبانٍ قديمة يُعاد طلاؤها، وأخرى تُهدَّم لتقوم مكانها أخرى تلمع في هيئتها الجديدة، لكنها تفقد عبق التاريخ.