زاهي حواس

 «الخيال الممكن»... هو عنوان كتاب مهم وممتع ومفيد جداً يسرد قصة كفاح ونجاح الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في النهوض بقطاع السياحة والتراث بالمملكة العربية السعودية... وسوف نبحر معاً ونتصفح في هذا الكتاب ونقف عند صفحات بعينها ترصد أهم محطات النجاح.

بالطبع كانت هناك تحديات، بدأت في الظهور بعد الانتهاء من إعداد الاستراتيجية العامة للسياحة الوطنية وإقرارها من قبل الدولة، وكانت البداية المهمة هي كيفية إعداد وتأهيل المجتمع لكي يتقبل النهوض بقطاع السياحة، وتحويله إلى قطاع حيوي يقوم نظامه المؤسسي على أساس اعتباره صناعة متكاملة الأبعاد. ولقد تم ذلك من خلال التعاون الوثيق بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وبين الشركاء في الداخل والخارج لسد كثير من الثغرات التي تم تحديدها بدقة بالغة. وكانت تجربة الهيئة رائدة في توجيه المجتمع السعودي بكل شرائحه نحو الاهتمام بالسياحة كصناعة حيوية ومهمة، وكذلك الاهتمام بالتراث الحضاري الوطني الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من المنظومة السياحية الحضارية السعودية. وقد تم إحداث تحول جذري في السياحة من خلال تأسيس وتبني مفهوم الثقافة الموجهة لدعم هذه الصناعة المهمة، وتم الاعتماد بقوة على المقومات السياحية والحضارية للمملكة واستثمارها على النحو الأمثل.

وتستند رؤية الأمير سلطان بن سلمان إلى ضرورة إحداث التغيير الاجتماعي من خلال الحوار والتحاور والإقناع بالمنطق والحقائق والاعتماد على طول النفس وتفادي الصدام والبعد عن سياسة الأمر الواقع أو فرض القناعات بالقوة... وقامت الهيئة أيضاً بإحداث تحول فكري في الرؤية الساندة للعمل المؤسسي في القطاع العام، واستحدثت الهيئة الإدارية الحكومية مفهوم الشراكات وتم توظيف آليات في تناغم غير مسبوق، وذلك لإحداث علاقة جديدة وفريدة من نوعها مع الأجهزة والمؤسسات المهتمة بالسياحة والتراث الوطني في كل من القطاعين العام والخاص، وتم إبرام عدة اتفاقيات في هذا الشأن للتعاون بين جهات عدة كوسيلة فعالة لقبول ودعم المشروع الوطني الذي تبنته الدولة ضمن خطتها المهمة لتحقيق أهدافها التنموية الشاملة، وحولت الهيئة هذا المشروع من مجرد مسار اقتصادي اجتماعي بحت إلى غاية وطنية كبرى متعددة الأهداف لا تنظر إلى البعد الاقتصادي وأثره في مسيرة التحول الوطني فحسب، بل تخطت ذلك وصولاً إلى الهدف الأهم وهو تعزيز مشاعر المواطنة لدى المواطنين عبر ربط المواطن بأرضه وبهويته الثقافية ومستوياتها الحضارية المتعددة من خلال سبر أغوار التراث والثقافة والتاريخ والآثار.
وفي رأيي، هذا لا يقل قيمة وعظمة عن المردود الاقتصادي لتنمية السياحة كصناعة متكاملة، وإعمالاً لهذا الهدف الأسمى سعت الهيئة إلى العمل عن قرب مع المواطنين في جميع مناطقهم، ووضعت المبادرات والبرامج والمشاريع لتطوير وتنمية صناعة السياحة المهمة والواعدة على كل المستويات داخل الدولة السعودية وخارجها، وتم العمل على تنفيذ تلك الآليات بمنتهى الدقة وبتجرد تام وبعيداً تماماً عن حب الاستحواذ والسيطرة والذاتية في المنظومة الإدارية وتحقيق المجد المؤسسي، بل انطلاقاً من مصلحة الوطن والمواطن السعودي في المقام الأول، وقاد هذه المنظومة الأمير سلطان بن سلمان الذي قام بتأسيس مفاهيم جديدة لكيفية النظر والتعاطي مع الثقافة السياحية الوطنية، وكانت رؤيته واضحة في الشراكة وإحداث التحول الفكري في العمل المؤسسي مع الهيئة وبناء عدد من العلاقات مع جهات دولية، وهذا جعل الهيئة ملحمة محلية وطنية عالمية.