سعود الريس

 مشكلة «الشق الشرقي لجزيرة سلوى»، أو ما كان يعرف سابقاً بـ«دولة قطر» أنها بين فقيهين، الفقيه يوسف القرضاوي، والآخر سعد الفقيه، وكلا الفقيهين ليس له من اسمه نصيب، فضلاً عن كونهما - وكما يعرف - انتهازيين ضليعين بالسياسات العدائية، أحدهما يتخذ من الدوحة أداة يعبث بها، والآخر تتخذه الدوحة أداة تعبث به، لذلك لا غرابة في أن تطغى العبثية على السياسة القطرية وتصبح الصفة الملازمة لأية خطوة تتخذها.

القرضاوي مشروع شيخ لم يكتب له النجاح، فهو من جهة يرتدي جلباب الناصح الأمين، مدعياً حرصه على الإسلام، لكنه يحرض على المسلمين! يدعو إلى الأمن، لكنه يجيش لإثارة الفوضى! يؤكد ضرورة السلم، لكنه غير مقتنع بأنه الوجه الآخر للحرب! لذلك هو يبيح الإرهاب والقتل والتلون بحسب ما تقتضي الحاجة.

حذرت مصر، منذ العهد الملكي، من القرضاوي في شبابه، وتواصلت التحذيرات من فتاواه، التي تؤكد دمويته، منذ استقباله في قطر قبل أكثر من 57 عاماً، وفي قطر، توقع حكامها أنهم إذا أحسنوا وفادته فسيتقون شره، لكن - كالعادة - كانت ومازالت نظرتهم قاصرة، ولا أعلم اليوم كيف ينظرون إلى ما ارتكبت أيديهم بحق وطنهم وبحق المنطقة، والأهم بحق الإسلام؟

لو قال أحدهم - «وما أكثر ما قالوا» - إن القرضاوي يخطط من خلال حزبه «الإخوان» للإطاحة بحكومة قطر، على غرار الأنظمة التي أسهمت قطر بأموالها في إسقاطها لما صدق أحد مثل ذلك، فالدوحة أعطت كل ما يمكن إعطاؤه للقرضاوي وأبنائه، وفتحت لهم الأبواب المغلقة، فكيف يمكن لمن تم تكريمه وتبجيله أن ينقلب هكذا وبكل بساطة؟ طبعا هم متناسون أنه تآمر على بلاده وهو شاب، وتآمر عليها وهو كهل، فالموضوع باختصار أن هذه هي عقلية «الإخوان» ليس إلا، فالمؤامرات والدسائس تسري في عروقهم، وما تحدث به السفير الروسي السابق لدى قطر، فلاديمير تيتورينكو، لقناة «آرتي» عن يوسف القرضاوي كان ملخصاً كافياً لما تعيشه الدوحة في الداخل، ولو كان هذا الحديث من أي سفير آخر لتسابقت الدوحة إلى نفيه والاستخفاف به، أو على الأقل للتحجج بأن حوار السفير مخترق، لكن هذا السفير الروسي، الذي أوفدت قطر كل من لديها إلى بلاده، استجداء لموقف تستند إليه أمام أشقائها، الذين طعنتهم في الظهر.

بعد حديث السفير الروسي، قطر في مأزق حقيقي اليوم، فهي من جهة لا تستطيع التفريط بالروس، وسعت - ومازالت - إلى الارتماء في أحضانهم، أو على الأقل التمسك بأطرافهم، وهذا يعقد لسانها، فلا تستطيع أن تنكر أو حتى تستنكر، في الوقت ذاته هي في مأزق القرضاوي وتنظيمه، الذي مثلما أوضح السفير الروسي أنه يوزع الأوامر إلى الديوان الأميري وإلى وسائل الإعلام القطرية، إذاً هي أمام حلين أحلاهما مر، في وقت لا تملك إلا أن تعض على لسانها وتتحمل إهانات القرضاوي، فهي «تعودت على ذلك».

نأتي الآن، إلى المنشق الفقيه سعد، ونورده هنا للدلالة على التورط القطري، وأيضاً فقيههم القرضاوي. كثيراً ما كان يطرح سؤال عن علاقته بالدوحة ومدى شرعيتها، إلى أن افتضح تورطه رسمياً، من خلال تسريبات صدرت عن الدعم المادي المقدم له، بخلاف تسجيلات الحمدين مع الراحل القذافي، التي تضمنت اسم الفقيه غير مرة، لكن يبقى هناك السؤال الأبرز، وهو: لماذا يتم دعم شخص لا قيمة جوهريةً له، نبذه ذووه ومجتمعه قبل دولته، وبسخاء؟

خدع الجزء الشرقي لجزيرة سلوى بالفقيه سعد مثلما خدع بالقرضاوي، إذ توقعت الدوحة أنه يشكل ثقلاً يمكن الاستفادة منه، ومنحت الفقيه دوراً في التخطيط لاغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، كما كانت له خدمات قدمها للمخطط القطري في التواصل مع القذافي، قد يبدو الأمر معقولاً قياساً إلى حجم الدعم، لكن هل هذا هو المشروع الوحيد الذي عملت فيه قطر مع سعد الفقيه؟

لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً لتذكرنا أن سعد الفقيه في إحدى المراحل سعى إلى التركيز على الشيعة في المنطقة، ولاسيما شرقي السعودية، وحرص على تجييشهم وبث أخبار ملفقة، جزء منها بثته قناة الجزيرة، التي ثبت أن القرضاوي هو من يديرها، وبطبيعة الحال كان لافتاً ذلك التحول في خطاب الفقيه، الذي كان يهاجمهم في أوقات سابقة، ذلك ما ظهر، أما ما بطن فكشف عنه في ما بعد، فما كان يعد له من مشاريع كانت أكبر بكثير من خروج الفقيه بشعارات طائفية، وفي ما بعد اتضح أن ذلك لم يكن إلا جزءاً من مخطط كبير يهدف إلى تقويض سياسة السعودية في الداخل والخارج، وما يهمنا هنا هو الداخل، فالمخطط كان مشروعاً ممولاً قطرياً، وتدعمه إيران استخبارياً، والفقيه - بدوره - كان مسوقاً إعلامياً، وهمزة وصل مع أداة سعودية (لا قيمة لها)، وفي واشنطن تم تجنيدها لحمل مشروع إلى الأمم المتحدة، الغرض منه تصوير أبناء الطائفة الشيعية بأنهم يتعرضون لانتهاكات صارخة من جهة الحقوق الشخصية، ويهدف إلى منحهم حق الحكم الذاتي في المنطقة الشرقية، لكن المشروع أجهض في حينه، لإدراك الأمم المتحدة عدم سلامة نواياه.

تلك روايات قطرية يخجل التاريخ من سردها؛ لوضاعتها، وفوق ذلك تصر الدوحة على اتهام السعودية ومصر والإمارات والبحرين بأنهم مشتركون في التآمر عليها منذ عام 1996!

تخيلوا؛ جميعنا نتآمر على هذه الدولة، التي نذرت نفسها لحماية الإرهابيين والفارين من أحكام الإعدام، بحجة أنهم مظلومون منذ ذلك التاريخ حتى اليوم! ما أقسى قلوبنا! ويا لوحشيتنا! ألم تثبت لنا الدوحة أنها مظلومة وأن الرباعي العربي يتآمرون عليها، بمسرحية هزلية عرضتها قناة الجزيرة؟ ألم تأت بالأموات في مسرحيتها تلك، بعد أن أخفق الأحياء، الذين جاءت بهم؟ ما الذي تفعله لتقنعنا؟ هل تستعين بـ«جاريد كوشنر»، على سبيل المثال؟

أقولها ناصحاً، لدى قطر اليوم فرصة أن تعيد ترتيب أوضاعها وتتجاوز خزيها السابق، وأزمتها، فالفرصة سانحة لها اليوم، لتبدأ بداية جديدة بمسمى «الشق الشرقي لجزيرة سلوى»...