سمير عطا الله 

كتاب آخر في مؤلفات فؤاد مطر السياسية. لم يترك الزميل الكبير مسألة عربية لم يؤرخ لها بالبحث والموضوعية. من لبنان إلى السودان إلى فلسطين إلى ليبيا إلى السعودية إلى العراق. والآن إلى «الكردي المخذول»، أو الكردي الحزين، أو الكردي البائس، أو الكردي سيئ الطالع. انتقِ التسمية التي يتهيأ لك أنها الأكثر دقّة.


«الكردي المخذول» هي حكاية أحدث الفصول في المأساة الكردية (الدار العربية للعلوم - ناشرون)، انطلاقاً من الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، وما تلاه من أحداث ومضاعفات، من العراق إلى تركيا مروراً بسوريا.
يلفت النظر أكثر من أي شيء في هذا السرد التاريخي علاقة القربى بين العرب والأكراد فوق جغرافيا واحدة وفي تاريخ واحد. وقد سرت الدماء الكردية في أسماء لها مشاعل، ليس بدءاً من صلاح الدين، ولكن يختار فؤاد مطر البداية المعاصرة مع محمد علي، مؤسس مصر الحديثة. وقد حملت النهضة اسمي اثنين من رعاتها الكرد، الشيخ محمد عبده وقاسم أمين. ونعرف أن أحد سادة المقرئين، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، في اللائحة الكبرى. وكذلك محمد حسنين هيكل وعباس محمود العقاد ومحمود تيمور ونجيب الريحاني. ولا أدري لماذا فاته اللون الكردي في دماء أحمد شوقي الذي أصبح أمير الشعراء العرب، وهو خليط من جذور إسلامية أخرى.
يستذكر فؤاد مطر ما سمعه شخصياً من صدام حسين حول الموضوع الكردي، ومن أخيه برزان التكريتي، الذي كان يبدو أنه يسعى إلى إيجاد حل للنزاع. لكننا نعرف جميعاً أن النظام في العراق كان قد أمضى شوطاً بعيداً في ضرب الأكراد منذ وصول البعث إلى الحكم عام 1963، وبسبب العنف المفزع والطويل، عمَّقت بغداد مشاعر الانفصال في جبال الشمال، بدل تهدئتها.
تلك هي طبيعة الأشياء، وتلك هي طبيعة القضية الكردية. فهي ليست مسألة عراقية فقط، ولا عربية فقط، بل أيضاً إيرانية، وخصوصاً تركية. حينما تطلع الأكراد بحثاً عن هوية ذاتية، وجدوا أمامهم جداراً عالياً وأودية عميقة. والقوى التي عرضت عليهم التحالف كانت تفعل ذلك دائماً بالسر، بدءاً بالاتحاد السوفياتي وانتهاء بالولايات المتحدة.
لسنوات بدأ إقليم كردستان وكأنه على أبواب الاستقلال، وتصرف في الشق الاقتصادي والمالي وكأنه استقل فعلاً. وعرف حدوداً من الازدهار والاستثمارات لم يعرفها في أي مرحلة في تاريخه. لكن الحلم باستقلال كلّي كان خطأ فادحاً في قراءة مصائر الأقاليم والدول والفارق بينها.