فيصل العساف

 بالطبع لا، فـ «السرورية» التي تتبع تعاليم الإخواني السوري محمد سرور، تفترق «عقدياً» عن السلفية بمفهوم أهل الحديث. السلفيون- على سبيل المثال- لا يرون جواز الخروج على الحاكم، فيما يرى أولئك في الخروج طريقة أصيلة تخط أبجديات أهدافهم. إلى هنا انتهت الإجابة باختصار عن موضوع المقالة، وبإمكانك الانتقال إلى عمل آخر إن كان وقتك لا يسمح في قراءة المزيد عن مشهد العمل التنظيمي الإخواني في السعودية.

بينما تسعى الدولة إلى استعادة التعليم والعقول من براثن الإخوان المسلمين، أتذكر أولى المحاولات الممنهجة التي حدثت معي في شكل خاص، بسبب مباشرتها المبكرة في رسم ملامح الصورة الذهنية عنهم. كان ذلك على يد معلم «سعودي»، تجاوز وصايا الأئمة المعتبرين آنذاك كابن باز والعثيمين والألباني في التحذير من التحزُّب في شكل عام، وبخاصة الأخونة، وقام بذر رماد الجماعة على العيون مستخدماً وسيلة الربط بين مؤسسها، والشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي تحفظ له الذاكرة التاريخية السعودية بالغ الامتنان. طلب إلينا «المربي الفاضل» ونحن في الصف «الثاني المتوسط» كتابة بحث بعنوان: «أوجه التشابه بين (المجدديْن) محمد بن عبدالوهاب والبنا»! في تلك السن الصغيرة، ما كان لنا أن ندرك الأبعاد الحقيقية «الخفية» وراء ذلك، خصوصاً أنه لم يكلفنا جهداً يذكر، إذ تكرم أستاذنا «مشكوراً» بغرس ما يهمه في مداركنا، بعد أن قدّم للبنّا على النحو الذي أصل للمفهوم التالي: «مصر كانت في ضلال مبين أنقذها الرجل منه»، ليأتي الدور علينا نحن التلاميذ، ويتمثل في نسخ مآثر ومعاناة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في سبيل دعوته، ولصقها في خانة حسن البنّا.

اليوم، وبعد انقشاع الغمة عن الكثيرين بسبب ممارسات الإخوان التي أسقطت القناع عن وجههم السياسي القبيح، المستغرق في البراغماتية الوصولية، أجدها فرصة للقول أنهم- سعودياً- فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق هدف التبعية المطلقة، الذي يعتمد اعتماداً مباشراً على تعطيل العقل عن القيام بدوره المنوط به تفكيراً وتحليلاً. لقد بات في حكم المؤكد أن قيادات الجماعة جبناء، يمكن البصم على ذلك من خلال تتبع سيرتهم التي تتقلب بتقلب الأحوال، بما في ذلك كتاباتهم في مواقع التواصل الاجتماعية، التي سرعان ما يتنصلون منها بعد مسحها عندما يستشعرون خطرها، وربما قاوموا بالقانون- بعين قوية- أية إشارة ولو كانت عابرة توحي بانتمائهم للتنظيم الإرهابي.

في المقابل، تجدهم يعتمدون في شكل رئيس على جيوش مغيبة شديدة الجهالة تصدقهم لتشكل حائط الصد أمامهم، وتعطيهم باســـم الإيثار ومصالح الأمة العليا الحق في التبرؤ من بعض ممارســـات الأتباع، في شكل لا نظير له سوى في مافيا العصابات الغارقة في الإجرام! في كل الأحوال، يعود الفضل إلى الدولة التي استطاعت «بالقوة الجبرية» تحجيم أدواتهم المضللة، وكأنما أخضعت المجتمع إلى جراحة استئصالية لازمة، نجحت أخيراً في إنقاذ حياته من مضاعفات مرض «التأخون» العضال.

في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان، كان «نجم» من نجوم السرورية يحث الشباب المتحمس ممن يتوسم فيهم نشاطاً «جهادياً» على الذهاب إلى كابول، ولو للتدريب، هو ينكر ذلك الآن بطبيعة الحال، لكن أحد الذين كاد أن يغرر بهم ذكر لي نصاً بأنه هو أيضاً- أي «الشيخ»- أخبرهم بنيته اللحاق بهم بعد فترة وجيزة. راهنت على كذبه وكسبت الرهان، وسلّم الله صاحبي من شرّه إذ لم يذهب، لكنه لم يسلم من غيبوبة ذلك المحرض فلا يزال يحسن الظن به! أعتقد جازماً أن العقيدة التي تجمعهما الآن هي كره الوطن، فذلك النجم يعمل في سبيل هدف لا يمكنه التحقق إلا على أنقاضه، والآخر تائه، يعاني آثار التلقين عبر سنوات «الدراسة» الحافلة بالإخوان، وفكرة الوطن «الوثن».

ما بين معلمنا «إياه» وجهابذة التحريض خيط رفيع وأدوار تبادلية، تتفاعل مع بعضها لتنتج جيلاً مستعداً لتنفيذ مقررات التنظيم الأم، ينجح في ظل التساهل وإحسان الظن في «حية الرمل»، لكنه يفشل عندما تعطي الدولة دروس الحفاظ على أمنها بعيداً من مظلة «حارة كل من إيدو إلو».