بينة الملحم

الحقيقة التي لا تقبل الجدال أن لكل مجتمع حضارته وثقافته، وتراثه وقيمه المادية والروحية، وحتى يستطيع أي مجتمع من المجتمعات مسايرة العصر والسير في ركابه عليه أن يعيش ويتعايش مع ظروف الزمان والمكان التي وجد فيهما، في مجتمعنا السعودي هناك حقائق كثيرة لا بد من استحضارها عند الحديث عن المجتمع والثقافة، فعلاقة المجتمع بالدين علاقة يستحيل التشكيك فيها، ولكن هذه العلاقة أيضاً قائمة على أساس أن الإسلام يمكن أن يتكيف مع كل زمان ومكان.

فالإسلام يقدم القيم العليا الضابطة لسعي الإنسان في الأرض ومنها أركانه الخمسة، والمنهجية التي يمكن من خلالها التعامل مع المستجدات المتغيرة بتغير الزمان والمكان، ومع كل هذه المقدمات التاريخية لصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان نجد من يحاول إيقافنا عن التحول والتغير لا لشيء إلا لأنه لا توجد لديه أجوبة وأسئلة مناسبة لفرضياته.

إن عزل المجتمع لنفسه عن ظروف الزمان والمكان يتناقض مع سمة رئيسة من سمات الإسلام، وهي عالميته وصلاحيته لكل زمان ومكان، كما يخالف سنن الكون التي سنّها الخالق -عز وجل- مُطالبًا الإنسان بالعمل وإعمال العقل والتفكر في الكون، بغية إعمار الأرض وبما يتفق مع المقاصد العليا لثوابت الدين.

نحت الماضي من أجل غربلته وتنقيته من شوائبه، ثم الأخذ بأصوله التي يمكن تطويرها وتعديلها بما يتوافق مع ظروف الحاضر، والنظر إلى الحاضر كحلقة وصل بين الماضي والمستقبل، كل ذلك هو الوقود الذي يحرك التاريخ والزمن ليسمح للفكر والثقافة في المجتمع وأفراده لكي تتكيف مع متغيرات زمنها فمتطلبات رؤية المملكة 2030 ومجتمع أغلب أفراده من فئة الشباب تختلف عن سابقاتها بكل تأكيد!

صحيح أنه لا يمكننا الاستغناء عن الماضي، ولكن في الوقت نفسه لا نستطيع أن نعيش الماضي كاملاً كما كنا نعرفه، وهذه هي أزمة التغيير، ولذلك تواجه بعض قرارات التغيير أو إقرار ثقافة جديدة تلك المعارك التيارية.