بهجت قرني

اتصل بي الصديق الصحفي الفرنسي ليبلغني أسفه لعدم المرور بالقاهرة في طريقه إلى السعودية لتغطية مؤتمر القمة العربية التاسع والعشرين. لقد ألغت صحيفته إرسال مندوب خاص لتغطية الحدث واعتمدت في هذه التغطية على أحد المراسلين من المنطقة. وأضاف قبل أن يُنهي الاتصال، أن السبب هو تخفيض النفقات.

لكني أعتقد أن ثمة سبباً آخر هو الشعور العام بأن المنطقة العربية تواجه تحديات من الضخامة لا يستطيع مؤتمر قمة في أي مكان مواجهتها وحسمها. والواقع أنه في هذه الظروف فإن انعقاد القمة نفسه يمثل إنجازاً، وقد رأينا كيف أنه منذ أعوم عدة، قامت تونس بإلغائه دون التشاور مع الجميع، كما اعتذر بعد ذلك المغرب عن استقباله لتحل محله موريتانيا.

لكن بسبب مكانة المملكة العربية السعودية، انعقدت القمة الـ29 في موعدها، وحضرها الغالبية الكبرى من الرؤساء، أما رؤساء الستة الذين تغيبوا عن رئاسة وفودهم فكان تغيبهم لأسباب منطقية وفي مقدمتها المرض.

كما أحسنت السعودية في إطلاق تسمية «قمة القدس» على مؤتمر الظهران، فالقرار الاستفزازي من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان يتوجب الرد عليه بتأكيد أهمية القدس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك القيام بردع الدول التي قد تستجيب للضغوط الإسرائيلية وتحذو حذو واشنطن بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس.. لكن ما هي التحديات التي أعاقت الحسم في القمة الـ29؟

إنها تحديات متعددة، لكن لضيق المساحة سأركز على اثنين منها كاشفين:

1- دولة تحت الحصار في العديد من الأمصار العربية، وحتى غيابها، ففي الأعوام الماضية كانت الإشارة إلى الدولة الهشة أو الفاشلة، طبقاً لمقياس مجلة «فورين بوليسي» أو «صندوق السلام الدولي»، تُعطى المكانة الأولى للصومال وعلى مدار أعوام عدة، لكن انضمت إليها الآن في قائمة العشر الأوائل أقطار عربية أخرى كانت رئيسية، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، وأحياناً السودان أيضاً.

2- سوريا: المدعوون للقمة كانوا 21 دولة بدلاً من 22، لأن مقعد سوريا لا يزال شاغراً منذ عدة سنوات. وقد تزامن عقد القمة مع الهجوم الثلاثي على هذا البلد بطائرات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والذي لم يتعرض له بيان القمة الختامي. لكن سوريا تمثل أكبر مآسي المنطقة العربية حالياً والكاشف عن تحدياتها، ليس فقط بعدد القتلى الذي يربو على نصف مليون، أو عدد اللاجئين والنازحين الذي يقترب من 11 مليون، أي نصف عدد سكانها، ولكن أساساً (وهذا هو الأخطر) أن القرار يكمن حالياً ليس في أيادي السوريين وإنما في أيادي قوى خارجية: روسيا إيران وتركيا.

ويثور سؤالان مهمان: ماذا عن المستقبل؟ وهل هناك وسيلة للسيطرة على هذه التحديات في حياة العرب؟

القمة العربية ما هي إلا لحظة قد تكون هامة في العمل العربي، لكن هذا العمل يجب تخطيطه والمثابرة على ترشيده، وذلك بوسيلتين:

1- استخدام قاطرة التنسيق العربية بين بعض الدول المؤثرة والتي لها أولويات إقليمية واضحة، مثل السعودية والإمارات ومصر.. هذه القاطرة الثلاثية تعمل معاً بالفعل، وقد تنضم إليها دول أخرى مثل الأردن والمغرب، لتقوم بتوجيه أحوال المنطقة، كما حدث في أوروبا في سنة 1815، التحول الذي كان موضوع سالة دكتوراه هنري كيسنجر. المهم أن يكون هناك تنسيق وتخطيط لعودة القرار إلى المنطقة العربية ودولها.

2- التنسيق مع المنظمات الإقليمية والعالمية في قضية القدس، مثل منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأوروبي.. لكي تدعم هذه المنظمات عودة سلطة القرار إلى المنطقة العربية. وهنا أقول إن للعرب قوة ناعمة ينبغي استغلالها.