بشير عبدالفتاح

إلى جانب قناعته بأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في تركيا ستعجل بتطبيق التعديلات التي أجريت على بعض مواد الدستور التركي، وفي صدارتها التحول إلى النظام الرئاسي، يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها منحة لتحالف حزب «العدالة والتنمية» مع الحركة القومية. فمن جهة، تبدو المدة المتبقية غير كافية بالنسبة إلى الأحزاب الأخرى خصوصاً لجهة الاستعداد لاستحقاقين بهذه الأهمية في مثل هذا التوقيت الحرج. فبينما يعجز الحزب الجمهوري منذ العام 2002 عن هزيمة حزب العدالة انتخابياً، سيستعصي على «الحزب الجيد» برئاسة ميرال أكشنار خوض الانتخابات المبكرة، إذ يُشترَط على أي حزب ينوي المشاركة في الانتخابات مرور ستة أشهر على عقد أول مؤتمراته العامة. ويذكر أن الحزب «الجيد»، تأسس في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وعقد مؤتمره العام الأول في آذار (مارس) الماضي، ما يعني أنه لن يتم الأشهر الستة بحلول حزيران (يونيو) المقبل، ومن ثم لن يستطيع المشاركة في الانتخابات المرتقبة، إلا إذا تمكنت رئيسته من جمع 100 ألف تفويض شعبي للترشح للرئاسة، وهو أمر ليس بالهين.

ومن جهة أخرى، يرى أردوغان في تقديم موعد الانتخابات مباغتة للأحزاب المنافسة، وإفشالاً لخططها الرامية لانتزاع الرئاسة والبرلمان من قبضة حزب العدالة، عبر الاستثمار الانتخابي للأوضاع المتأزمة والمحاكمات والاعتقالات التي طاولت الآلاف من أنصار فتح الله غولن والمتهمين في المحاولة الانقلابية الفاشلة، الذين يشكلون قطاعاً لا يستهان به من الجمهور الانتخابي لأردوغان وحزبه، علاوة على حالة الغضب الشعبي التي تسود أكراد تركيا الرافضين لتورط جيشهم في معارك ضارية ومكلفة ضد ذويهم في سورية والعراق. فمن خلال الانتخابات المبكرة سيتسنى لأردوغان وحزبه استثمار ما تبقى لهما من شعبية قبل أن يطاولها التآكل عبر استغلال الإنجاز الاقتصادي اليتيم المتمثل في ارتفاع معدل النمو السنوي إلى 7.4 في المئة بنهاية العام الماضي ليبلغ أعلى مستوى له منذ العام 2011، فضلاً عن الاستفادة من الانتعاش اللحظي لشعبية الرئيس على خلفية العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي أخيراً ضد المسلحين الأكراد سواء داخل البلاد أو في سورية والعراق.

ويمكن القول إن أردوغان بدأ يخطط منذ إعلان النتائج المفزعة للاستحقاق البرلماني الذي أجرى في نيسان (أبريل) من العام 2015، والتي لم يتمكن حزب العدالة بموجبها من تشكيل الحكومة منفرداً للمرة الأولى منذ العام 2002، لتقديم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التالية. حيث أدرك في حينها أن التراجع اللافت في شعبية حزب العدالة والتنمية، كما تجلى في الاستحقاق البرلماني، قد يمتد ليلقي بظلاله السلبية على أية استحقاقات مقبلة. فبينما يعاني حزب بهشلي اضطرابات شتى، نتيجة النزاعات الداخلية التي دفعت بالكثيرين من أعضائه إلى مغادرته والانضمام إلى أحزاب أخرى، يساور أردوغان شك في الفوز بالانتخابات المنتظرة إذا ما أجريت في العام المقبل، كما يخشى صعود مرشحين رئاسيين منافسين تتنامى فرصهم في الفوز خلال العام ونصف العام اللذين كانا يسبقان موعد الانتخابات، من أمثال عبدالله غل وميرال أكشنار زعيمة الحزب «الجيد»، خصوصاً مع تغير المعطيات السياسية على الصعيدين الإقليمي والمحلي لغير مصلحة أردوغان حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 في ظل التحولات المتسارعة التي تلقي بظلالها على المنطقة وتترك تداعياتها السلبية على الداخل التركي. ويتملك أردوغان كذلك قلق من تفاقم الاستقطاب السياسي الحالي بما يزيد من نزيف الشعبية التي يعاني منها هو وحزبه نتيجة تراجع الأدء الاقتصادي وتداعيات الحروب التركية الممتدة في سورية والعراق، والتي من المتوقع أن تدخل مرحلة حرجة بعد دخول عفرين وتصاعد العسكرة في سورية بعد الضربة الثلاثية الأخيرة ضد الأسد، بما يكبل قدرة القوات التركية على تحقيق مكاسب إستراتيجية جديدة أو تقليص الخسائر البشرية والتكاليف المادية الباهظة للعمليات العسكرية داخل سورية، والتي تنذر بتفاقم الأزمة الاقتصادية، خصوصاً بعد رفع موازنة الدفاع مع اشتداد وطأة المعارك وطول أمدها.

وتستبد بأردوغان كذلك مخاوف من تراجع الأداء الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، مع تحذير تقارير صندوق النقد الدولي من تداعيات تسييس أردوغان للبنوك وتدخله السافر في السياسات النقدية والمصرفية، واشتعال الخلافات بين رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، وأخرى بين رئيس الجمهورية والبنك المركزي حول الطريقة المثلى للتعامل مع الضغوط الاقتصادية، ما أدى إلى تعاظم الدين الخارجي وارتفاع كلفته، وفقدان الليرة التركية نحو 6.5 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فضلاً عن تصاعد المخاوف من أن يفضي إصرار أردوغان على خفض سعر الفائدة إلى تجاوز التضخم نسبة 10 في المئة، إضافة إلى ارتفاع العجز في ميزان المعاملات التجارية، نتيجة تنامي الإنفاق الدفاعي وزيادة مخصصات الموازنة السوداء السرية غير الخاضعة للرقابة، والتراجع النسبي في جاذبية الاستثمارات، حتى تراجع التصنيف الائتماني للاقتصاد التركي من جانب الوكالات الدولية. وبينما حاول أردوغان تحري بعض الإجراءات الاستثنائية لتحفيز الاقتصاد وزيادة معدل النمو وتضييق العجز في الحساب الجاري على مشارف الانتخابات المبكرة، كتقديم حوافز استثمارية قيمتها 33 بليون دولار لبعض الشركات الأجنبية والقُطرية التي تستثمر في تركيا، تعالت تحذيرات الاقتصاديين الأتراك من زيادة مؤشرات التراجع الاقتصادي بسبب طغيان المحسوبية والفساد على سياسات أردوغان في هذا الصدد.

* كاتب مصري