عبدالله العوضي

هذا موضوع ملتف حول نفسه منذ قرابة أربعة عقود، أي ساعة إعلان إحلال الخمينية «الاثنا عشرية» مكان الشاهنشاهية العلمانية، والعالم من حولنا بانتظار حرب كونية بين أميركا وإيران، بعد أن خاضت إيران كل أنواع الحروب، خلال ذات الفترة أمام مرأى ومسمع من أميركا والعالم أجمع، بل وفي حرب الإرهاب، هي تحارب مع أميركا جنباً بجنب وهما في ذلك أكثر من السمن على العسل.

ولو كان في أوراق سيناريوهات مهندسي السياسة الأميركية ذرة من النية السيئة تجاه إيران، فضلاً عن قصفها سياسياً أو عسكرياًَ، لكان أنسب وقت بالنسبة لها عندما حلّت أزمة رهائن الأميركان ضيوفاً ثقالاً على إيران، عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب السفارة الأميركية دعماً للثورة، واحتجزوا 52 أميركياً من سكان السفارة كرهائن لمدة 444 يوماً من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981.

حادثة بهذا الحجم لم تتكرر في تاريخ الولايات المتحدة، منذ النشأة، وهي وفقاً للمعاهدات الدولية إعلان حرب لا حاجة لإذن أحد في الدفع بها نحو الانطلاق ولم يحدث شيء، غير محاولات التفاوض التي فشلت في إطلاق سراح الرهائن ولحق الفشل العملية العسكرية لإنقاذهم في 24 أبريل 1980، بل أدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أميركيين وإيراني مدني واحد، ولم تنته الأزمة إلا بالتوقيع على اتفاقات الجزائر يوم 19 يناير 1981، وأفرج عن الرهائن رسمياً بعد دقائق من أداء ريجان اليمين.

والمفارقة أن هذه الأزمة حسب بعض المحللين كانت السبب الرئيس في هزيمة كارتر، وفي إيران، عززت من وضع الخميني، وإن فُرضت عقوبات اقتصادية أميركية على طهران حتى الساعة، إلا أنها جاءت في مصلحة إيران من الداخل في تعزيز الوطنية أمام «الشيطان الأكبر» وفق الأدبيات التي لا زالت رائحتها تفوح حتى اليوم. والأكثر غرابة أن الطالب نجاد الذي كان ضمن الطلبة الذين احتلوا السفارة هناك، هو الذي ارتقى سدة الحكم في إيران لفترتين رئاسيتين، وهو صاحب مقولة، «محو إسرائيل من الوجود»، وبارك العالم أجمع هذا «الفتى المدلل» ببرقيات تلو الأخرى، وهو ما فتئ من ترديد «الموت لأميركا».

تجددت المطالب في هذه الساعات الحرجة من أوضاع العالم العربي والإسلامي، من بعد طوفان «الربيع العربي»، من قبل البعض بضرورة قيام أميركا ترامب بتمزيق الاتفاق النووي الذي أخذ من الحوار مع الدول «1 + 5» قرابة عقد، ووعد ترامب بحرقها منذ أول يوم يجلس فيه على كرسي الرئاسة، وها هو في السنة الثانية، ولم يفعل شيئاً مع رفض دول أوروبا قاطبة هذا السلوك الذي لم يحصل، وإن كان ترامب يهدد بفعله بين فينة وأخرى.

أزمة الرهان كانت الذروة، ولم تقع مواجهة ولو على مستوى «رصاصة تصيب ولا تقتل» فما بال أميركا اليوم التي لم تتعطل مصالحها طوال فترة حكم الملالي لإيران قيد أنملة، حتى وإن تمددت إيران ونفذت إلى جلود اللبنانيين من أتباع «نصر الله»، والعراقيين من أتباع «المالكي» والعبادي والسوريين من أتباع «النصيريين» البعثيين العلمانيين، ما عدا طبعاً السنة المسحوقين، وها هم «الحوثيين» وقد رضوا بأن يعيشوا في جلباب الإيرانيين طوعاً لا كرهاً نكاية في أقرب الجيران في نجران ومن حولها، وبدل الحرب يريد ترامب الانسحاب من سوريا، وتسليمها إلى إيران كما أهدتها واشنطن العراق منذ عام 2003، فمتى تجيء ساعة إيران عند الأميركان؟

هناك حلقة مفقودة بين أميركا وإيران، يتم البحث عنها في كلا العالمين العربي والإسلامي، فهما يبحثان عنها عن طريقنا ويسألوننا عنها بطريقة غير مباشرة في البقع الأكثر سخونة في العالم وليست أوكرانيا ولا كتالونيا، ولا بريطانيا بعد البريكست ومن ضمنها، ولا حتى بعض المناطق المتنازع عليها بين الكوريتين والصين وروسيا والصين، كل هذه لا تشملها، بل تشملنا، وإيران وأميركا وإسرائيل أشبه بـ«مثلث برمودا السياسي» ويستفيد كل منهم من كل ذاك الصوت العالي للحرب على إيران.

فالحروب الحقيقية مشتعلة أصلاً في دورنا وأوطاننا ولم ينتقل منها شيء إلى طهران كما يتمنى بعض الساسة في العالم العربي، لأن الغرب ومعه أميركا لا يريدون ذلك، حتى لا تتعرض مصالحهما للخطر الحقيقي من قبل إيران، وإلى الآن لا شيء من ذلك حدث، بل إن إيران ذاتها حريصة ألا يحدث ذلك أبداً. خلاصة الصراع المزعوم بين أميركا ترامب وإيران المرشد وبعض المطالبين من عالمنا لتأجيج هذا الصراع غير الملموس، إعطاء إيران المزيد من النفوذ في العالم العربي والإسلامي، نقول إلى حين نحن لا نعلم مداه، ولكن من بيدهم خيوط اللعبة بين الطرفين يدركون متى يتم الرفع ومتى يحدث الكبس.

بين هاتين العمليتين يدفع العالم العربي والإسلامي ثمن تلك الحلقة المفقودة من ثرواته ودماء أبنائه ومشاريعه التنموية والمستقبلية فمحاربة إيران مباشرة لم تخطر على بال أميركا إلى الآن، والسياسة الخارجية الأميركية لا تدار من الخارج أبداً ولا تملك دولة مهما كان قوتها في العالم الضغط عليها وتغيير مسارها، لأن الرئيس فيها لا يملك هذه الصلاحيات وإن فاز بنسبة 99.9% فيها، تبقى نسبة 1% قوة المؤسسات هناك أقوى من الرئيس الفرد، هذه هي اللعبة الأميركية التي يجب أن نتقن قواعدها إذا أردنا أن نغير اتجاهها تجاهنا وتحقيق أحلامنا.