وليد شقير

بضعة أيام تفصل اللبنانيين عن ساعة الحقيقة في اليوم التالي للاقتراع الأحد المقبل، لمعرفة الأحجام والأوزان التي ستنتجها صناديق الاقتراع في البرلمان الجديد. والأسبوع الفاصل سينقل التعبئة السياسية الانتخابية إلى ذروة جديدة للتأثير في الناخبين.


ومع حسابات القوى الرئيسة التي تخوض الامتحان، للحد الأدنى لحصيلة كتلها المقبلة، وفق تقديرات ماكيناتها، فإن معظمها يترك هامشاً للمفاجآت بفعل عاملين:

- القانون الجديد النسبي الذي يتيح للخصوم أن يتمثلوا إذا حازوا الحاصل الانتخابي، والذي يجعل من الصوت التفضيلي للمرشح ضمن اللائحة الواحدة مسألة صعبة التقدير، حتى عند الأحزاب القادرة على توزيعه على مرشحيها في شكل يفتح الباب على مفاجآت محتملة.

- التغييرات في المزاج الشعبي الناقم على الطبقة السياسية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، والفساد والهدر...

هذان العاملان يفرضان تريث الأحزاب الرئيسة في الجزم بقدرتها على تحقيق الأهداف التي تطمح إليها، وبمدى إمكان المنافسين اختراق لوائحها، في الحالات التي تطمئن إلى أن كتل الناخبين الكبرى ستمنح لوائحها التأييد الواسع، مثل «حزب الله» وحليفه حركة «أمل»، و «تيار المستقبل» و «التيار الوطني الحر».

وتجهد هذه القوى إما للحفاظ على أحجامها الحالية أو إلى زيادتها عبر الحلفاء، أو إلى التقليل من الخسائر التي يفرضها القانون النسبي، ما يفسر التحالفات الهجينة لبعضها.

ويتوقف المتابعون للمعركة الانتخابية عند الجهد الذي يبذله زعيم «المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري في جولاته في المناطق واحتكاكه بالجمهور، وبالإطلالات المباشرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، والتي ستتكثف في الأيام المقبلة.

وتنتظـــر أوساط «المستقبل» أن ينهي الحريري تحركه في بيروت الأسبـــوع الطالع، بعد الشمال، لإعادة استنفار جمهوره الذي انتقل جــــزء منه إلى المنطقة الرمادية من الولاء، نتيجة أسباب عدة، بدءاً مــن غيابه قبل سنوات عن البلد، مروراً بالتسوية التي عقدها بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية باعتباره مرشح «حزب الله».

وتقول مصادر قيادية في تيار رئيس الحكومة لـ «الحياة» إن الجولة التي يقوم بها في الشمال وتستكمل اليوم في عكار، كانت استفتاء على الزعامة السنية نتيجته هي أنه لا منازع له، ويبقى انتظار كيفية ترجمته في صناديق الاقتراع الأحد المقبل، لأن الانتخابات يتحكم بها مزاج الجمهور والتنظيم الذي يرافقها». وتضيف المصادر نفسها: «العاطفة عند الجمهور الذي احتشد في طرابلس والضنية والمنية (دائرة واحدة تضم 11 مقعداً تتنافس عليها 8 لوائح) والتناغم بينه وبين الحشود لم يحصل مثلهما سابقاً، لا معه ولا مع والده الراحل رفيق الحريري، من دون أن يعني ذلك الاستهانة بالقوى المنافسة في هذه الدائرة». وتعتبر أنه «في وقت فرضت الانتخابات والشعور بابتعاد جزء من الجمهور عنه الجهد الذي يبذله، فإن الجولة الشمالية أدت إلى استعادة بعض هذا الجمهور الذي كان انتقل إلى المنطقة الرمادية. والخطاب الحريري نجح في إقناع هذا البعض بأن هناك خطراً على الزعامة السنية على رغم أن لا زعامة مقابلة تقارعها النفوذ، بل ائتلافات ومجموعات تتوزع بين صيدا والبقاع وبيروت والشمال، قد يؤدي إلى ذوبان زعامة الطائفة من دون أفق نشوء زعامة بديلة. أي أن لا صراع بين زعامتين». وتتابع: «الشعور الشعبي هذا ينطلق من أنه إذا كان لكل من الطوائف الأخرى زعاماتها القوية، فلماذا التفريط بالزعامة الموجودة في شكل يقود إلى اختلال يزيد ما وصف بأنه إحباط»؟. وذكرت المصادر القيادية في «المستقبل» أن هذا ما يفسر ظهور رايات «المستقبل» في باب التبانة وباب الرمل والقبة في طرابلس، على شرفات منازل علّقت عليها صور لمرشحين في لوائح منافسة للائحة «التيار».

وفي وقت يتعرض أسلوب الحريري للانتقاد لاعتماده على «السلفي» واعتلاء سطح السيارة، وعلى عبارات بسيطة من نوع «الصدق» و «الوفاء» ويعتبر منتقدوه أنه أداء خفيف، فإن أوساط «المستقبل» ترى أنه يعتمد أسلوباً جديداً بدا أنه محبب لعامة الناس. لكن المصادر القيادية إياها تلفت إلى أنه ثبت أن الجزء السياسي من إطلالات الحريري ساهم في اشتعال الحماسة الجماهيرية قياساً إلى الجزء المتعلق بالخدمات التي لديه الكثير ليقوله في شأنها، لكن بقيت أصداؤها محدودة. فحديثه عن أن الطائفة السنية مستهدفة في كل المنطقة، ولكنها ليست ضعيفة فهي التي أنقذت البلد، وأنا من قمت بالمبادرات، وأخرجنا البلد من الفراغ». وتكراره القول إن «هناك أماكن أخطأنا فيها وأخرى أصبنا، ونقول بشجاعة أين أخطأنا، والبعض يعتبر أنه لا يخطئ»، وأنه تعلم من التجربة، يخاطب عقول بعض الشرائح التي تحاسب سياسياً وكانت انتقلت إلى المنطقة الرمادية بينه وبين الآخرين، عاد فجذب بعضها لأنها تقبلت منه النقد الذاتي. وكل هذا جعل صدى كلامه السياسي أقوى. وتعود المصادر المستقبلية إلى التأكيد أنه إذا كانت الحشود انتخبت زعامة الحريري في الجولات التي قام بها، فإن انتخاب لوائحه شيء آخر متروك للصناديق الذي ستختبره القوى السياسية كافة. وعلى رغم تأكيد المصادر أن جولة الحريري حسنت وضعه في طرابلس، فإنها تقر بأن بعض المنافسين مثل الرئيس نجيب ميقاتي صنعوا لأنفسهم وضعية جديدة في المرحلة السابقة.

إلا أن أوساطاً سياسية أخرى تلفت إلى ما قاله الحريري عن أن «هناك خلافات بيننا وبين الآخرين وضعناها جانباً، وسنكمل بهذه الطريقة الوحيدة التي تنقذ البلد»، على رغم أنه في استنهاضه جمهوره هاجم مشروع «حزب الله» باعتباره يدعم حلفاء له وللنظام السوري بوجه لوائح «المستقبل». وفي رأي هذه الأوساط أن التعبئة السياسية ضد الحزب التي ترافق الحملة الانتخابية ستؤدي في 7 أيار إلى خفض منسوب الخطاب الخلافي، لأن على الفرقاء أن يعودوا إلى اعتماد الحوار، لا سيما أن تأليف الحكومة المقبلة سيخضع لأخذ ورد. كما أنها تتساءل عما إذا كان مستوى الاستجابة لدعوات الحريري إلى رفع الإقبال على الاقتراع ستكون بنسبة التعبئة السياسية التي يقوم بها. وهذا السؤال ينطبق على قوى أخرى ستكشف الصناديق الجواب عنه.