محمد كركوتي

 "الاتفاق الموقع مع إيران حول ملفها النووي، غير كاف لاحتواء طموحات طهران" أنجليلا ميركل ـــ مستشارة ألمانيا واضح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غادر واشنطن عائدا لبلاده، من دون أن يحقق أي شيء من أجندته حيال الملف النووي الإيراني. في الواقع ساد الانطباع الأجواء العامة أن ماكرون بات مقتنعا برؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المتشددة والجدية حيال هذا الملف.

وكان هذا الأخير حريصا على الإشارة إلى هذا "الاقتناع" بصورة غير مباشرة خلال مؤتمر صحافي مشترك جمعه مع الرئيس الفرنسي. على صيغة "إني أعتقد أن سيادة الرئيس يتفق معي حول هذا الأمر أو تلك المسألة". لم يتدخل ماكرون ولا مرة واحدة من أجل تصحيح "اعتقاد" ترمب المشار إليه. ما يعني أن الملف الأوروبي الذي حمله لواشنطن حيال المسألة النووية لم يفتح كما ينبغي. بل كان الرئيس الفرنسي نفسه واضحا جدا حين عبر عن اعتقاده علنا أن ترمب سينسحب من هذا الاتفاق المضطرب. لا شك أن الأوروبيين (ولا سيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا) فشلوا جميعا في تليين الموقف الأمريكي الواضح بصورة لا لبس فيها. وهذا أيضا ما يبرر كلام ميركل بعد لقائها بالرئيس الأمريكي، أن الاتفاق النووي مع إيران غير كاف، وأنه لا يمكن أن يحد من طموحات نظامها. وهي بذلك أفسحت المجال أمام المسار الأمريكي لتغيير هذا الاتفاق، أو حتى لطرح اتفاق جديد آخر يأخذ في الاعتبار مجموعة من الأشياء، في مقدمتها، مسألة منع إيران نهائيا من أن تمتلك أي قدرة نووية سواء حتى عام 2025 (حسب الاتفاق) أو بعد هذا العام. وإلى جانب هذه المسألة تأتي طبعا قضية الصواريخ الباليستية التي يمتلكها النظام الإرهابي في إيران، التي يجري عليها تجارب بين وقت وآخر متحديا كل المواقف الدولية الرافضة لها، ومهددا ميادين بعينها في المنطقة. دونالد ترمب كرر الجملة نفسها لكل من ماكرون وميركل وهي "النظام الإيراني، نظام قاتل".

وهو مقتنع تماما أن هذا النظام لن يوفر الفرصة لاستخدام النووي حتى على مدرسة أطفال إذا ما امتلك بالفعل هذا السلاح الفتاك. وهو لا يختلف كثيرا عن عميله في سورية بشار الأسد، الذي اكتسب بقوة توصيف سفاحها، وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، شهد مقتل مئات الآلاف ونزوح وهجرة ملايين من السوريين. واشنطن ربطت حتى تدخلات إيران في المنطقة بمستقبل الاتفاق النووي، على اعتبار أن تدخلاتها أدت لنشوب حروب لم تهدد فقط دول المنطقة بل الأمن والسلم العالميين. ناهيك (بالطبع) عن الاستراتيجية الطائفية الدنيئة التي تنفذها في غير بلد عربي، بما في ذلك التغييرات الديمغرافية الطائفية التي تقوم بها. سيكون هناك توافق بين الولايات المتحدة وأوروبا. الأخيرة كما ظهر في السابق تريد حماية الاتفاق النووي بكل ثغراته الموجودة لأسباب عديدة، على رأسها المصالح الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها في التعاطي مع إيران بحرية في أعقاب الرفع النهائي لكل العقوبات عنها. هذا الجانب ليس مهما للجانب الأمريكي حتى عندما كان باراك أوباما في الحكم. فهذا الأخير كان مستعدا للقيام بأي شيء من أجل التوقيع على الاتفاق النووي المذكور، لتحقيق مكاسب سياسية شخصية تدخل ضمن النطاق التاريخي العام. وفعل هذا في المسألة الكوبية أيضا. ومع اقتراب نهاية ولايته، لم يعد يهتم بالتفاصيل الخاصة بالمفاوضات النووية بقدر اهتمامه بإبرام الاتفاق قبل أن يخرج من الحكم إلى الأبد.

ومن هنا كانت هناك ثغرات واسعة في الاتفاق، حتى أن فرنسا كانت تتزعم الأطراف المتشددة حيال إيران في المفاوضات، بينما كان الجانب الأمريكي على النقيض من ذلك. الآن الأوضاع تتغير، والرئيس ترمب يريد أن يلغي الاتفاق نهائيا دون أن يرف له جفن، إذا لم يدخل التعديلات المحورية عليه. وقد تمكن (لأسباب عديدة) من إقناع لندن وباريس وبرلين على المضي بموقف واحد حيال المسألة برمتها. الرئيس الفرنسي نفسه يتوقع انسحاب ترمب من الاتفاق بحلول الـ 12 من أيار (مايو) الجاري. وهذا ما دفعه للإعلان من واشنطن، أنه "من الضروري احتواء أنشطة إيران في كل من سورية واليمن والعراق ولبنان، وأن طهران لن تملك أبدا أسلحة نووية". هذا يوضح الصورة تماما حيال الاتفاق النووي المشوه، الذي يعتبره الرئيس الأمريكي سخيفا وفظيعا. وهو كذلك مع نظام يحكم إيران لا يعيش إلا على الخراب والإرهاب، وصناعة الآلام وتشكيل العصابات الإجرامية هنا وهناك. هذا النظام أثبت منذ البداية أنه خطر على إيران نفسها قبل أن يكون خطرا على المنطقة والعالم. ليس مهما أن تتحقق "أحلام" أوباما بقيمة تاريخية له لن يحظى بها إطلاقا، وليست مآرب الأوروبيين المريبة في هذه المسألة ذات أهمية تذكر، خصوصا بعد أن انصاع ماكرون وبعده ميركل إلى الموقف الذي أعلنه ترمب حيال النووي الإيراني والاتفاق، حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض.