سعيد السريحي

لم تكن الجماعات المتطرفة في تنظيرها والإرهابية في تطبيقاتها بحاجة إلى كثير عناء كي تجد في وقائع التاريخ ما يبرر تنظيراتها ويمنح الشرعية لتصرفاتها، فكتب التاريخ، كما دونها المؤرخون، لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من دم مراق ومدن محترقة ورؤوس مجزوزة وكنوز من الغنائم والسبايا والعبيد تدعمها فتاوى تجعل من ذلك العنف الوسيلة السليمة لنشر الإسلام وإرساء قواعد الدولة الإسلامية.

بل المسألة تتجاوز ذلك حين نذهب إلى أن الجماعات المتطرفة والعصابات الإرهابية لم تستغل ذلك النهج من العنف الذي دشنته كتب التاريخ وإنما هي وليدة له ونتاج عنه، فهو امتداد لتلك الرؤية المنحرفة التي هيمنت على كتب التاريخ فجعلت من تاريخ انتشار الإسلام تاريخا للمعارك والحروب والهزائم والانتصارات والقتلى والغنائم فراحت تتبع انتشار الإسلام غربا وتجاهلت تلك الكتب انتشار الإسلام شرقا حتى عم جزر الملايو وجنوب الفلبين دون قتلى ومعارك وسبايا وغنائم، وإنما بالدعوة الحسنة والقدوة الصالحة، ولعلنا جميعا نعرف أسماء القادة الذين أداروا المعارك في اتجاه الجيوش الإسلامية غربا غير أن أحدا منا لا يعرف أحدا من أولئك التجار والعلماء الذين كانت أخلاقهم خير دعوة الإسلام الذي امتد إلى أقاصي الأرض شرقا.

تلك الجماعات المتطرفة خرجت من غبار المعارك التي كرستها كتب التاريخ كما عنّ للمؤرخين أن يكتبوها، ولو أن كتب التاريخ اهتمت بكيفية انتشار الإسلام بالقدوة الصالحة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لما وجدوا في كتب التاريخ ما يبررون به أعمالهم، بل لما ذهب بهم الظن، وهم واهمون، إلى أن انتشار الإسلام وإرساء قواعد الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالقتل والدمار.