بغداد 

في الانتخابات العراقية العامة التي جرت شتاء 2010، تحمس شباب «التيار الصدري» في بعض أحياء بغداد الفقيرة للعمل فري الحملة الانتخابية للمرشح الشاب الآتي من لندن محمد صاحب الدراجي.
وضعوا على واجهات بعض المباني العالية صوراً كبيرة له بعرض 5 أمتار وارتفاع 10 أمتار. ونتيجة التعليمات التي أصدرتها قيادة التيار حينذاك لأتباعها بالتصويت لمرشحها في أحياء محددة، تمكن الدراجي من الفوز بسهولة والعبور إلى مجلس النواب.
وفي جولة تشكيل الحكومة اللاحقة التي قادها نوري المالكي، اختير الدراجي، وهو الحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة، وزيراً للإسكان والإعمار، فكان صعوده سريعاً نتيجة اتكائه على ثقل «التيار الصدري».
وفي انتخابات 2014، تكرر الأمر نفسه وتمكن الدراجي من العبور إلى مجلس النواب من جديد، وحصل على منصب وزارة الصناعة في حكومة العبادي. ثم أمر مقتدى الصدر بانسحاب وزراء «التيار الصدري» من الحكومة، فخرج الدراجي وفقد عضوية مجلس النواب لاستبدال عضو آخر به. وفي الدورة الحالية قرر الدراجي الالتحاق بقائمة «الفتح» المؤلفة من فصائل «الحشد الشعبي».
ولم يقتصر الانسحاب من «التيار الصدري» على الدراجي؛ إذ خرج عدد ممن كانوا من الشخصيات القيادية والبارزة في التيار، منهم نائب رئيس مجلس النواب الأسبق قصي السهيل الذي التحق في الدورة الحالية بقائمة «دولة القانون» التي يتزعمها المالكي، ووزير التخطيط السابق علي شكري الذي فضل الالتحاق بقائمة «الفتح».
وإن كان هؤلاء الثلاثة من أبرز نماذج ظاهرة «التحول السياسي» التي تكرست بشكل أكثر وضوحاً في الدورة النيابية الحالية، إلا أن الظاهرة شملت شخصيات من مختلف الاتجاهات السياسية العراقية، ولم تسلم منها حتى الأحزاب والكتل الكردية، فالتحقت القيادية السابقة في «الاتحاد الوطني الكردستاني» آلا طالباني هذه المرة بتحالف «بغداد» الذي يقوده السياسي السنّي رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني. وكذلك فعلت رئيسة كتلة «التغيير» الكردية في البرلمان الاتحادي سروة عبد الواحد التي التحقت بقائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي «النصر»، ثم انسحبت منها في اللحظات الأخيرة.
ويعزو مراقبون للشأن السياسي العراقي ظاهرة «التحول السياسي» إلى الاضطراب وعدم الاستقرار الذي لازم العملية السياسية منذ 2003، إضافة إلى ضعف الأحزاب والتقاليد السياسية بعد هيمنة النظام الشمولي «البعثي» على الحياة العامة لأكثر من 3 عقود.
ويرى آخرون أن «التحول السياسي» مرتبط بظاهرة الانقسامات والانشقاقات الحادة التي مرت بها غالبية الأحزاب السياسية العراقية، سواء العلمانية منها، كالحزب «الشيوعي» الذي انقسم عبر تاريخه الطويل إلى أحزاب عدة، أو الدينية كحزب «الدعوة الإسلامية» الذي انقسم هو الآخر إلى مجموعة أحزاب.
ويرى وائل عبد اللطيف، وهو وزير ونائب سابق، أن «أسبابا كثيرة تقف وراء عملية التحول في المواقف السياسية التي تصدر عن بعض الشخصيات السياسية، ومنها قانون الانتخابات الخاطئ». والتحق عبد اللطيف بقائمة إياد علاوي في عام 2005، ثم عاد هذه المرة والتحق بقائمة «دولة القانون»، رغم أنه كان درج لسنوات على توجيه انتقادات لاذعة إلى رئيسها نوري المالكي.
ويقول عبد اللطيف لـ«الشرق الأوسط» إن «نظام الانتخاب خاطئ ومصمم لمصلحة الكتل الكبيرة. انسحبت ومجموعة كبيرة معي عام 2005 من تحالف علاوي، وكانت مجموعة ليبرالية ممتازة، فدخلنا مع (الائتلاف الوطني) ولم نحصل على أي مقعد». ويعتقد أن «جماعات الإسلام السياسي تجذرت في العراق ولها إمكانات كبيرة ولا تستطيع قوى ليبرالية أو علمانية مجاراتها، لذلك لم نحصل في انتخابات 2014 على أي مقعد؛ مع أنني رشحت في محافظتي البصرة».
ويعترف بالصعوبة التي واجهها في إقناع جمهوره بالتحول، ويضيف: «بذلت جهوداً استثنائية لإقناعهم، لأنهم يعرفون موقفي من المالكي. خلافي معه سياسي وليس شخصياً، وهو اليوم يتبنى موضوع الأغلبية السياسية الذي أتبناه أنا كذلك».
أما السياسي إبراهيم الصميدعي فبدأ مع الحزب «الدستوري» الذي كان أسسه وزير الداخلية الأسبق جواد البولاني في 2010، ثم التحق قبل أشهر بحزب «المؤتمر الوطني»، وكان يفترض أن يخوض الانتخابات مع قائمة «النصر» بزعامة العبادي، ثم عاد ورشح في تحالف «تحدي ديالى» الذي يدعمه الأخوان جمال ومحمد الكربولي في محافظة ديالى.
وعن هذه التجربة، يقول الصميدعي لـ«الشرق الأوسط» إن «لدي 3 تحولات فقط، وأظن أن التحولات السياسية مسألة ورادة في بلاد شهدت وتشهد تحولات سياسية عميقة وصعبة». وأضاف: «إذا خضت تجربة انتخابية مع إحدى الجهات ثم تبين لي أنها لا تلبي الطموح، وأن أداءها متواضع، فما المانع من تركها؟». ورأى أن «الديمقراطية ليست نظاماً للوقوف مع الشخص الأقرب، إنما مع البرنامج الأنسب».