محمد السلمي

متى ما شعرت طهران بالخطر فإن النظام قد يقبل بأي خيار توافق عليه الصين وروسيا لتجنب سيناريوهات أصعب وأخطر

أيام تفصلنا عن منتصف ليلة الحادي عشر من مايو 2018، حيث يبدأ العد التنازلي لمعرفة موقف الإدارة الأميركية الراهنة من الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران، وإن كان البيت الأبيض قد أعلن أنه سيكشف عن موقف واشنطن من الاتفاق النووي قبل الموعد المحدد لذلك. إعلاميا، لا يزال موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب ثابتا من الاتفاق النووي الذي ما لبث يصفه بالأسوأ في تاريخ الإدارات الأميركية، والاتفاق الذي يجب إما الخروج منه أو إصلاحه في أحسن الأحوال، ولكن ليس البقاء فيه بحالته الراهنة. هناك محاولات أوروبية مستميتة في إقناع الإدارة الأميركية بالإبقاء على الاتفاق النووي بمزاعم أنه لا يوجد خطة بديلة لذلك. الأوروبيون مهتمون للغاية بالاتفاق النووي لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى في محاولة منهم لتنفيذ الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الجانب الإيراني، ولا تزال حبرا على ورق. ما تخشاه الشركات الأوروبية هو حتى وإن ظلت دولهم متمسكة بالاتفاق النووي فإن خروج الولايات المتحدة الأميركية منه يفرغه تماما من محتواه، ويجعله اتفاقا لا قيمة له من حيث الجانب التنفيذي، بسبب أن الجانب الأميركي إذا ما أعاد العقوبات السابقة على إيران فإن ذلك يجعل الشركات الأوروبية هدفا واضحا لتلك العقوبات، وبالتالي لن تغامر الأموال الأوروبية بأن تكون في موقف كهذا، علاوة على أن العواصم الأوروبية لا يمكنها التحليق بعيدا عن موقف واشنطن. إيرانيا، تحتاج طهران لاستمرار الاتفاق النووي وتطبيقه على واقع الأرض لا سيما في ظل المشكلات الاقتصادية وانهيار العملة المحلية واستمرار الاحتجاجات الشعبية وارتفاع نسب التضخم والبطالة.
وإذا ما أردنا استقراء المستقبل فإننا سنكون أمام بضع سيناريوهات من أهمها، السيناريو الأول ، إصرار الإدارة الأميركية على موقفها بالخروج من الاتفاق النووي، بغض النظر عن الموقف الأوروبي الذي سيحاول إقناع طهران بالالتزام بالاتفاق، وإظهار واشنطن بالجانب الأضعف أمام الرأي العام العالمي والمفاوض، الذي لا يمكن الوثوق به، وستلعب طهران على ذلك إعلاميا، وسيخرج خامنئي في خطبة عصماء يركز فيها على نقطة واحدة تتمثل في «ألم أخبركم بأنه لا يمكن الوثوق في أميركا وأن موقفها من إيران الإسلامية ثابت العداء؟». حينها سيركز اللوبي الإيراني في الغرب على أن أميركا تخسر سمعتها مقابل موقف إيراني أفضل يحظى بتعاطف عالمي.
السيناريو الثاني أن تركيز واشنطن على خيار إصلاح الاتفاق النووي، وقد يجد ذلك الخيار قبولا فرنسيا لا سيما وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد ألمح إلى ذلك خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بنظيره الأميركي. أيضا الرئيس ترمب لم يستبعد خيار إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي وإعلان موقفه مِن الاتفاق بصيغته الراهنة. هذا الخيار قد يكون مقبولا لدى لندن وبرلين أيضا، لكن سيجد ذلك معارضة من قبل موسكو وبكين. أما طهران فستعلن رفضها لأي مفاوضات إضافية حول طبيعة الاتفاق النووي، وقد تهدد بالانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية (NPT)، ولكن قد تبدئ مرونة حول برنامج تطوير الصواريخ الباليستية على الرغم من إعلان المسؤولين الإيرانيين المتكرر بأن برنامجها «الدفاعي» خط أحمرا لا يمكن التفاوض حوله. قد يكون الخلاف الرئيس بين أعضاء الاتفاق النووي يتمحور حول السلوك العدائي الإيراني في المنطقة، فمن المتوقع أن يكون هناك إصرار أميركي على إضافة هذا البند في الاتفاق النووي بنسخته المعدلة، لكن طهران وموسكو وبكين سوف ترفض ذلك تماما، وقد يكون الموقف الألماني قريبا من هذه الجبهة، وفي المحصلة سيصل الأمر إلى طريق مسدود، وعليه تلجأ واشنطن إلى فرض عقوبات قاسية ضد طهران.
السيناريو الثالث، يتمحور حول استخدام سياسة العصا دون الجزرة، حيث يرفع الجانب الأميركي سقف المطالب والتلميح برد فعل عنيف إذا رفضت طهران مقترح إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي. صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية قد لا تكون جاهزة لخوض أي عمل عسكري جديد في المنطقة، لكن واشنطن وتل أبيب، وربما أيضا بالتنسيق مع بعض العواصم العربية، قد تصل إلى توافق بشأن عمل عسكري ليس داخل الحدود الإيرانية، ولكن يبدأ من سورية حيث الميليشيات المرتبطة بإيران، وأيضا استهداف حزب الله في سورية دون ضرب الحزب في الداخل اللبناني ابتداءً. هذه الرسالة ستكون مرعبة لطهران بكل تأكيد وقد تجعل النظام الإيراني يعيد الحساب في موقفه بسبب الخيارات القليلة التي يملكها ومساحة المناورة التي يستطيع اللعب فيها. الجانب الروسي قد يغض الطرف تماما عن ذلك إذا ما حصل على ضمانات غربية حيال النظام السوري والأهم القواعد العسكرية الروسية في سورية. ولعل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة ومزاعمه بامتلاك بلاده لأرشيف كامل وطبق الأصل من النووي الإيراني، وأن إيران تمتلك كمية كافية لتصنيع السلاح النووي، وأن طهران طورت برنامجها النووي في مواقع سرية بعيدا عن أعين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كل ذلك يقود إلى أن الجانب الإسرائيلي يضع كافة الخيارات على الطاولة وقد يجر أميركا لخيارات صعبة.
السيناريو الرابع يرى أن الخلافات بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الثلاث حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران ستستمر دون الوصول لنقطة التقاء، وبالتالي يتم تمديد مهلة إعادة النظر في الاتفاق النووي لمائة وعشرين يوما أخرى وبعبارة أخرى، ترحيل الخلاف لمزيد من التفاوض، وقد يكون هذا السيناريو هو الخيار الذي ستقبل به جميع الأطراف إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، لكن الجانب الأميركي قد يركز على ضرورة إغلاق الملف تماما في هذه المرحلة ودون أي تأجيل.
خلاصة القول، باستثناء السيناريو الأخير، جميع هذه السيناريوهات ستقود إلى تجميد حقيقي للاتفاق النووي، وسيقود ذلك إلى خلافات عدة بين أجنحة النظام الإيراني، وستنعكس تلك الخلافات بشكل أو بآخر على المشروع الإيراني في المنطقة، وسيحاول المدافعون عن الاتفاق النووي في بعض مراكز الدراسات الغربية القول بأن هذا الموقف سيقوي من قبضة ما يطلقون عليه اسم التيار المتشدد في إيران، على حساب التيار البراغماتي أو الإصلاحي الذي يمثله الرئيس حسن روحاني من وجهة نظرهم، لكن الواقع يقول إن هذه التقسيمات لا أساس لها من الصحة، وجميع هذه الأطياف تمثل دائرة صغيرة وضيقة للمجتمع الإيراني، جميع المنتمين إليها يؤمنون بولاية الفقيه وضرورة المشروع الإيراني الخارجي، والاعتقاد بتصدير الثورة وحماية الشيعة في العالم، لكن الأهم أنه متى ما شعرت طهران بالخطر فإن النظام قد يقبل بأي خيار توافق عليه الصين وروسيا لتجنب سيناريوهات أصعب وأخطر.