نبيل عبد الفتاح 

حالة من الصخب والتشوش وبعض من الغموض وعدم الوضوح تكشفها متابعة أى عينة من غالب المحاورات أو المساجلات أو النقاشات التلفازية، أو الكتابات الصحفية عن ظواهر تبدو متداخلة لدى بعضهم رغم التمايزات المفهومية بين بعضها بعضًا، وفى أسباب نشوئها وتطوراتها وتحولات فى الواقع الموضوعى المأزوم والمحتقن فى مصر والإقليم العربي. تشير هذه الحالة من الاضطراب المفاهيمى إلى عديد الأسباب، يأتى على رأسها ما يلي:

عدم فهم ودراسة هذه الظواهر فى منابتها وجذورها، والتمييز المفهومى الواضح بين بعضها بعضًا، وتبيان حدود وهوامش التداخل الواقعى أو النظرى بينها.

ميل غالب المحاورين أو الكتاب أو بعض المسئولين إلى إطلاق التعميمات المجنحة عن أسباب هذه الظواهر، وعدم متابعتهم جذورها وتحولاتها النوعية من حالة تطرفية إلى عنيفة إلى إرهابية، ونزوع بعضهم إلى إعطاء أسباب عامة تصلح لتفسير عديد الظواهر، ومن ثم لا تصلح لحالات الدراسة المطروحة للنقاش.

يؤدى التناول العام للظواهر المختلفة والمتداخلة، إلى الخلط بين بعضها بعضًا فى المسببات والتحولات، ومن ناحية أخرى غلبة الميل إلى الحلول غير الواقعية والتى لا يتوافر فيها الحس العملي، ومن ثم لا تتلاءم حلولهم العامة والغامضة مع الحقائق الواقعية الموضوعية. أو من حيث مستوى قدرات وكفاءة كوادر أجهزة الدولة المختصة بالمكافحة والمواجهة.

نزوع بعض أجهزة الدولة إلى محاولة احتواء الجدل حول الظاهرة وأسبابها والمسئوليات الملقاة على عاتقها خشية مساءلة بعض قياداتها أو تغييرهم.

نزوع بعض المتداخلين حول ظواهر التطرف العنيف، والعنف، والإرهاب إلى استبعاد المعالجات الدينية، ومن ثم لجوئهم إلى التركيز على الحلول السلطوية والأمنية على الحلول الإصلاحية الدينية، وهو نمط يغلب الأيديولوجى على السياسى فى معالجة الظواهر الاجتماعية.

يبدو أن صياغة سياسة متكاملة لمواجهة هذه الظواهر، من الأهمية بمكان، وتحتاج إلى القيام بعديد من المهام كى تؤتى ثمارها فيما يلي:

إجراء مجموعة من المسوح والبحوث المتخصصة نظريًا وتطبيقيًا حول التطرف والتطرف العنيف والإرهاب، وذلك لتحديد وضبط المفاهيم ووضوحها فى الاستخدام الحوارى أو الكتابى أو البحثي، والتمييز بين الظواهر وبعضها، ويفضل عمل قاموس صغير حول المصطلحات والمفاهيم الأساسية والفرعية، وتحريرها من الخلط بين بعضها بعضًا.

دراسة حول المناهج والمقاربات النظرية التطبيقية الملائمة لدراسة الظواهر المختلفة، وذلك كعمل إرشادى للباحثين أو الكوادر المختصة المعنية بمواجهة ظواهر التطرف، والتطرف العنيف، وأشكال العنف، والأنماط الإرهابية الدينية أو غيرها.

دراسات حديثة حول أيديولوجيات جماعات الإخوان المسلمين فى مصر والأردن وسوريا وغيرها، والنهضة فى تونس، والعدالة والتنمية وغيرها فى المغرب، والسلفيات الجهادية، والقاعدة، والنصرة وغيرها فى سوريا، والجماعات الليبية الإسلامية المسلحة، والجماعات الأخرى فى شمال إفريقيا، وفى مالي، وبوكو حرام. من ناحية أخرى درس وبحث ظاهرة الذئاب المنفردة وأسبابها فى فرنسا وبلجيكا وألمانيا، ودراسة علاقة ظاهرة الهجرة غير المنظمة بالتطرف والإرهاب فى دول الجوار العربي، واللاعربى فى الإقليم، وفى بعض الدول المستقبلة للمهاجرين من مناطق الحروب الأهلية فى سوريا والعراق واليمن وليبيا. الهدف من هذه الدراسات القطاعية البحث فى الخصوصيات المحلية والوطنية وأثرها على الأبنية الأيديولوجية، من ناحية أخرى الكشف عن المشتركات المرجعية التراثية، وعلى مستوى النصوص المقدسة والسنوية والفقهية والتأويلية بين هذه الأيديولوجيات وبعضها بعضًا. من ناحية ثانية دراسة برامج تكوين وتأهيل «كوادر» هذه الجماعات، ودراسة هياكلها التنظيمية، ومناطق تركزها الجغرافية، ومساحات حركتها فى التجنيد ومن أى الشرائح الاجتماعية، ثم دراسة عملياتها الإرهابية ومناطقها وأهدافها، وأسباب اختياراتها بعض الأهداف دون غيرها.

دراسة الجغرافيا الدينية لأماكن وجود الأقليات العربية والإسلامية المهاجرة فى بعض البلدان الأوروبية وفى الولايات المتحدة وكندا، والمناطق والأماكن التى خرجت منها الذئاب المنفردة، وانتماءاتهم الاجتماعية وخلفياتهم التعليمية، وتحليل أسلوب تجنيدهم الافتراضى ... إلخ.

دراسة عينات مختارة من الخطابات الدينية الرسمية واللارسمية من المدارس السلفية والإخوانية وغيرها، لاسيما فى المناطق الريفية والعشوائية وتحليل مقولاتها الأساسية وأطرها المرجعية، وأساليب البرهنة على مقولاتها.

دراسة أنظمة الفتوي، ونماذج وعينات مختارة لها لدى جميع الجماعات الإسلامية الراديكالية والرسمية والسلفية، ودعاة الطرق، ووضع خريطة لاهتمامات الجمهور المستفتي، وطرائق الفتوي، ومرجعياتها التراثية ... إلخ.

وضع تصور لسياسة دينية إسلامية إصلاحية فى ضوء التحديات المعاصرة.

وضع سياسة لتدريب وتأهيل وتكوين الدعاة والقائمين بالفتوى على العلوم الاجتماعية المعاصرة، وعلم الكلام الإسلامي، وعلى مشروعات الإصلاح والتجديد الدينى وسياقاتها وأسباب عدم نجاح بعضها تاريخيًا.

وضع تصور لسياسة إصلاحية للتعليم الدينى ومواده ومناهجه للتطبيق فى مراحل التعليم الأزهرى ما قبل الجامعى وما بعده، لاسيما حول ضرورة وضع موضوعات علمية إرشادية لطلاب الماجستير والدكتوراه فى الأزهر، للحث على التجديد والإصلاح وممارسة الاجتهاد المنضبط.