أحمد الرضيمان 

الوهابية أكذوبة اخترعها الأعداء، ومنهم الأتراك وعبّاد القبور، أطلقوها بقصد التنفير، مع علمهم أنه لا يوجد شيء اسمه الوهابية.

قال الملك عبدالعزيز رحمه الله: (يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، وعقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.. 

هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله -عز وجل- خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من إحن وأوصاب.. أما «التجديد» الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا، فهو لا يوصلنا إلى الغاية القصوى، ولا يدنينا من السعادة الأخروية، إن المسلمين بخير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.. إننا لا نبغي هذا «التجديد» الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا.. إننا نبغي مرضاة الله -عز وجل- ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره.

 إن المسلمين لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح... لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن التجدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصرا عزيزا، إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق؛ بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسنة رسوله، ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه الفرقة وهذه المصائب، إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، والله إنني لا أخشى الأجانب بقدر ما أخشى المسلمين... المسلمون هم سبب بلاء أنفسهم، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده، فهل يعقل أن فردا في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه، ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟ كلا، ثم كلا...إن البناء المتين الصلب لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم، في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك -إن شاء الله- وفينا عرق ينبض).
ما تقدم كلمة عظيمة نافعة، قالها ملك عبقري، يقول ويفعل، بذل الغالي والنفيس، والعرَق والدم، وتصدى للأهوال والشدائد في سبيل أن ينعم سكان المملكة العربية السعودية بأمن وطمأنينة ورفاهية وعقيدة صحيحة، ناله من الصعوبات ما ناله، فما ضعف وما استكان، ولكنه صبر، فظفر، فما أعظم أجره، وما أحسن عمله وسياسته، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

إن المتأمل في هذه القطعة من كلماته، يجد فيها من الفوائد والفرائد ما لا يقوله إلا من نوّر الله قلبه بالإيمان، وأعطاه الحكمة والفهم والبرهان، ومن ذلك:

أولا: إن الوهابية أكذوبة اخترعها الأعداء، ومنهم الأتراك وعبّاد القبور، أطلقوها بقصد التنفير، مع علمهم أنه لا يوجد شيء اسمه الوهابية، فالشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يأت بشيء من عنده، وهذه كتبه موجودة، ومعلوم أن الأتراك لم يكن لهم ولاية على نجد، بل كانوا يرون أهلها في فقر وحروب فلم يأبهوا لهم، ما دام هذا حالهم، فلما توحدوا واجتمعت كلمتهم وقامت دولتهم على أساس العقيدة الصحيحة، على يد الإمام محمد بن سعود، عمدوا إليهم فحاربوهم رغبة في اجتثاث العقيدة الصحيحة، وقتل أهلها، وسقوط دولتها، فما بال بعض من ينسب نفسه للعلم والدين، يشيد بهم، متجاهلا تاريخهم الدموي، وانحرافهم العقدي؟

ثانيا: الملك عبدالعزيز مجدد للدين كما شهد بذلك العلماء الراسخون ومنهم شيخنا: صالح الفوزان، فقد قال لي في أحد لقاءاتي به: «الملك عبدالعزيز مجدد للدين بلا شك»، وأقول: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، فالملك عبدالعزيز كما أنه مجدد للدين، وناصر له، فهو أيضا مجدد للتقدم والتنمية في أمور الدنيا، فلم تبهره المستجدات التي لم تكن مألوفة بأرض قومه، كما بهرت غيره من العلماء، ولم يمتنع من استخدامها، وإنما استفاد منها وطوّعها لخدمة الدين والوطن، متفوقا على علماء عصره، وما ذاك إلا لسعة أفقه وعلمه، وأما «التجديد» الذي يمقته الملك عبدالعزيز كما في كلمته، فهو ما قيده بقوله: «الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا»، وإلا فالتجديد النافع مطلب شرعي ووطني، ولا بد منه.

ثالثا: أنه يرى رحمه الله أن العلة الداخلية أشد ألما من العلة الخارجية، فالقريب المسلم الذي نحسن إليه، ونثق فيه، ثم يكون عونا للأعداء البعيدين ضد وطننا، أشد خبثا وتأثيرا، وهذا أمر واقع ومُشاهَد من بعض الأفراد والأنظمة، وإن شئت أنموذجا معاصرا: فانظر «لبعض» من أحسن إليهم الوطن والقيادة، كيف أنهم لسوء طويتهم قلبوا ظهر المجن، وارتموا في أحضان العدو ضد الوطن والقيادة والمجتمع، وانظر «لبعض» الأنظمة الجارة القريبة منا، كنظام قطر، كيف تظاهر أنه مع بلادنا في التحالف ضد ميليشيات الحوثي الخمينية، لكن الله أظهر ما كان يخفيه من خيانة وغدر، وتبين أنه إنما شارك في التحالف فقط ليكون عينا وجاسوسا للنظام الخميني، وهذا ما لا يرضي الله ورسوله، ولا يرضي الشعوب الشريفة ومنها شعب قطر الكريم، وصدق الله العظيم القائل: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم).