حمود أبو طالب

كان مساء الإثنين الماضي مختلفاً في الرياض لأني للمرة الأولى أشاهد فيها ما شاهدته، وأعاد لي ذكرى قديمة كنت أتمنى لو أن ما حدث فيها يشبه هذه الليلة. سأبدأ بالليلة القديمة، ليلة حفل تخرجنا من كلية الطب بجامعة الملك سعود، كانت فرحة عظيمة بلا شك على المستوى الشخصي لكنها كانت تفتقد تفاصيل كثيرة وحميمة، كنا نفرح وحدنا كخريجين، ألبسونا مشالح عليها شعار الجامعة بالكاد تلقى بينها مقاسك المناسب، حضور ضئيل في قاعة كبيرة، ومسيرة صامتة لا مظاهر فرح عام فيها، قليل جدا من الآباء والإخوة حضروا، وانتهت الحفلة بسرعة ليخرج كل واحد إلى مستقبله. لم نعرف ماذا فعلت زميلاتنا الخريجات، هل احتفلن في بيوتهن أم في حفلة مماثلة مغلقة. كانت تلك الفترة تمثل قمة التشدد والبؤس والكآبة ومصادرة الحياة الطبيعية.

ليلة الإثنين الماضي كانت مختلفة جذرياً في كل تفاصيلها عندما احتفلت هيئة التخصصات الصحية بتخريج الدفعة ٢١ من الأطباء والصيادلة والتمريض والعلوم الطبية، فتيات وفتياناً، في قاعة احتشدت بالفرح العارم والبهجة الحبور. انتظم الخريجون والخريجات في مسيرة واحدة على أنغام أغنية «وطني الحبيب» للراحل طلال مداح رحمه الله، ونشيد «بلادي بلادي منار الهدى»، كان الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأبناء والبنات يملؤون القاعة ويهزجون مع الأنغام، كلمة للخريجين وكلمة للخريجات، وزير الصحة ومسؤولو الهيئة يهنئون الخريجين ويلتقطون صورا تذكارية معهم، ثم ينتقلون إلى جانب الخريجات لتهنئتهن أيضا والتقاط الصور معهن. وبعد انتهاء الفقرات الرسمية تحولت القاعة إلى كرنفال رائع من الموسيقى والفرح الحقيقي العفوي للجميع.

صباح الثلاثاء فاجأتنا صحيفة عكاظ بصورة لخريجة تتوسط صفحتها الأولى، شاهدتها وأنا في الطائرة، ورحت أستعيد الفجوة الزمنية والإنسانية الهائلة بين ما حدث في ليلتنا وما حدث في ليلة الإثنين. الرياض ليست تلك الرياض الماضية التي حولها التشدد إلى أرض قاحلة إنسانياً، لكنها بدأت الآن تأخذ من اسمها الكثير، رياض الحضارة والتحديث والحياة الطبيعية والإنسانية الرائعة.