محمد بن عبدالرحمن البشر

إيران كما هو معلوم عند الكثير تتبع سياسة حافة الهاوية، وهذه السياسة دأبت على الأخذ بها كإرث تاريخي، ولهذا فإن المفاوضات التي تتم مع إيران غالباً ما تأخذ وقتاً طويلاً مهما كانت أهميتها وحجمها.

الملف النووي الإيراني من أهم الملفات في المنطقة لأنه يشكل خطراً كبيراً على دول المنطقة، ويساعد في عدم الاستقرار بها، لهذا كان ملفاً شائكاً وحيوياً منذ إنشاء البرنامج حتى وقتنا الحاضر.

بدأت إيران برنامجها النووي على أساس أنها تقوم ببعض البرامج التعليمية، ثم أصبح البرنامج كما تدعي إيران مخصصاً للأغراض السلمية، ومصدراً للطاقة، وهو ادعاء غير صحيح، فقد اكتشف العالم أن نسبة تخصيب اليورانيوم التي وصلت إليها إيران تفوق النسبة المسموح بها للأغراض السلمية، وأن هذه النسبة ستصل إلى درجة تكون فيها إيران قادرة على الحصول على القنبلة النووية، وهي تعلم والعالم أجمع يعلم أنها ليست في حاجة للوصول إلى هذه النسبة.

بدأت المقاطعة وبدأ الضغط من المجتمع الدولي بما فيه دول المنطقة المتضرر الأكبر من هذا البرنامج الخطير، وأخذت إيران بناصية سياسة حافة الهاوية، فأوصدت الباب عن أي نقاش، واستمر الضغط وبدأت تفتح الباب رويداً رويداً بقدر محدود وعلى مهل ممل لعلها تكسب الوقت أو تتغير معطيات عالمية، وبعد أخذ ورد توصلت مع الدول العالمية الفاعلة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع تلك الدول، لكنه اتفاق مشوب بكثير من الثغرات، ومع ذلك فقد ظل الجميع ملتزماً به ظاهرياً، وإن كان هناك تحرك سري لاستمرارها في البرنامج كما أظهرته بعض التقارير، وهذه التقارير مثار نقاش جاد بين دول فاعلة، وربما يفضي إلى إثبات أن إيران لم تلتزم بالاتفاق من الناحية الفعلية، وإن كانت ظاهرياً تبدي الالتزام، فلديها برنامج موازٍ، وإن كان الأمر كذلك فإن هذا يعني مرحلة خطيرة ستواجهها القيادة الإيرانية الحاكمة، وهي التي بدورها تواجه الآن مشكلات كثيرة داخلية وخارجية.

بدأت الإدارة الأمريكية الحالية تصرح علناً بأنها غير راضية عن الاتفاق وأنها لن تسمح بالاستمرار فيه، وربما تنسحب منه، ومن المعلوم أن لدى الرئيس الأمريكي مدة ستة أشهر سمح بها الكونجرس، وبعدها تتم المراجعة، وقد سمح الرئيس بالاستمرار في الفترة الأولى، آملاً أن يكون هناك توافق عالمي أو أقل تقدير غربي على الخطوات التي يجب إتباعها حيال هذا الملف المهم، وكانت هناك مناقشات كثيفة أبدت الدول الأوروبية تمنعاً عن المناقشة، أو إعادة فتح الملف، ثم عادت بعد الحاح إلى القناعة بأن بقاءه هكذا سوف يؤثر على الاستقرار في المنطقة، وأبدت عدم الرغبة في الانسحاب لكن يكون هناك تعديلات مهمة، واتفاق آخر فيما يخص برنامج الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وقد أصرت دول المنطقة على أن أي تعديل أو ملحق أو اتفاق جديد يجب أن يتضمن بوضوح منع إيران من التدخل في شؤون المنطقة مثل ما تفعله الآن في سوريا واليمن والبحرين ولبنان وغيرها من الدول.

إيران تصر على عدم النظر في الاتفاق وعدم التوقيع على أي اتفاق جديد يخص الصواريخ وخلافها، لكننا نعلم أن سياسة إيران المتمثلة في حافة الهاوية، ستجعلها ترضخ بعد زيادة الضغط وتكثيفه لا سيما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي متزعزع ويحتاج إلى شرارة بسيطة لينفجر، وقد ساعد التحسن النسبي في أسعار النفط في إعطائها مساحة من الوقت، لكنها سوف تكون مجبرة على الامتثال للضغوط، لا سيما أن الدول الأوروبية أخذت في إطلاق تصريحات واضحة للوصول إلى اتفاق على تعديلات في الاتفاق على أن تشمل الصواريخ، والأخذ بعين الاعتبار ما تطالب به دول المنطقة من حرمان إيران من التدخل في شؤونها والمساس بأمنها.

المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- وولي عهده - حفظه الله-، كانت أكثر الدول إدراكاً للخطر الإيراني، وهي بما حباها الله من قوة تأثير تلعب الدور الرئيس في تصحيح ما يشوب الاتفاق من ثغرات يجب سدها.
حفظ الله بلادنا وقادتها وشعبها من كل سوء.