حسن مدن

يرى الأستاذ جمال مطر، في مقالة سابقة له في «الخليج»، أن إطلاق وصف «الفوضى» على ما يشهده العالم اليوم أمر مبالغ فيه، فلا تكفي أحداث متفرقة، مهما كبر شأنها، هنا أو هناك، لأن تجعل العالم في فوضى، فلا انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا «مزاجية» سياسة الإدارة الأمريكية الحالية، ولا انفراط عقد دول قليلة من أصل نحو مئتي دولة في العالم، ولا انزلاق مجموعة دول في قارات العالم نحو انتهاكات فظة لحقوق الإنسان قد تبلغ حد الإبادة، تعني أن هذا العالم قد فقد ضوابط التحكم في مسار الأحداث.

ويبرر مطر اعتقاده هذا بثبات ظاهرة الدولة كوحدة الحساب، والأساس في القانون الدولي والعلاقات بين الدول، فأغلبية الدول قائمة وشرعيتها غير مشكوك فيها والقانون مطبق فيها، وبالتالي، فإن العالم، رغم كل ذلك، لم ينزلق إلى الفوضى التي تنعدم فيها الضوابط ويختلط فيها الحابل بالنابل.

وهو يقترح مفردة «الإرباك» لوصف حقيقة ما يجري في عالم اليوم، وربما نتفق مع الكاتب في هذا التوصيف، مضيفين أن ذلك عائد، في درجة رئيسية منه على الأقل، إلى ما يسم المرحلة الراهنة من تطور الوضع الدولي، بأفول مرحلة القطبية الأحادية، وظهور ملامح نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.

ولعل ما يسم السياسة الخارجية الراهنة للولايات المتحدة من تقلب عائد إلى صعوبات تكيّف واشنطن مع وضع دولي مستجد، بعد أن اطمأنت، خلال عقدين من الزمن، إلى هيمنتها الكلية على المشهد الدولي.

لكن ما يستوقفنا أكثر هو تعميم الكاتب لتوصيف الإرباك على الوضع العربي، رغم كل ما فيه من «فوضى»، وهو أمر يصعب التسليم به، خاصة إذا ما تذكرنا أن بعض ما نشهده اليوم، عربياً، إن لم يكن الجزء الأكبر منه، هو ثمار سياسة معلنة أطلقت عليها كوندليزا رايس مسمى «الفوضى الخلاقة»، هي نفسها التي «خلقت» ما نحن شهود عليه لا من سقوط أنظمة، وإنما انهيار دول وتآكل سيادتها، لا بل فقدان هذه السيادة، وغياب أي وجه يعتد به لموقف عربي موحد ومتكامل، مبني على رؤية واضحة لمصالح الأمن العربي ومستقبله.

الفوضى درجات، قد تبدأ في صورة يمكن السيطرة عليها ببعض الجهد، وقد تبلغ حالاً شاملة لا يعود من السهل، معها، إعادة الأمور إلى سياقها. ولا نعلم، بالضبط، على أي درجة من هذه الفوضى هي حالنا العربية اليوم، وقد أصبح الجسد العربي منخوراً في عدة مواقع، وباتت ساحات البلدان مستباحة من لاعبين دوليين وإقليميين لا يقيمون أي وزن لسيادة الدول، يأمرون فيها وينهون.
إذا كان التحلي بالأمل، مهما ساءت الأحوال، أمر حميد، فدعونا نأمل بأن الفوضى العربية قاربت نهاياتها، لا أن يكون ما يجري مجرد مقدمات لما هو أدهى وأمرّ.