في إطار مساعيها إلى تصدير "الثورة" خارج محيطها، عملت إيران على تبني أطروحة جبهة البوليساريو باعتبارها تعبيرا عن حالة "استضعاف" في المحيط المغاربي.

 

يبدو أن المغرب ضاق ذرعا بالتحرشات الإيرانية، في ما يبدو أيضا أن إيران ليست من صنف الدول التي يمكن الوثوق بها. وقرار المغرب الأخير بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران واستدعاء السفير المغربي من العاصمة الإيرانية وطرد السفير الإيراني من الرباط كل ذلك يندرج في إطار “نفاد الصبر”، بعد أن لاحظ المغرب أن الإيرانيين لم يستفيدوا من درس التوتر الذي حصل عام 2009 وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية على خلفية السياسة الإيرانية لنشر المذهب الشيعي الإثني عشري في المغرب عبر السفارة الإيرانية.

وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة، قال الثلاثاء إن المغرب يتوفر على أدلة دامغة ووقائع وأسماء محددة تؤكد تورط حزب الله اللبناني الشيعي في دعم جبهة البوليساريو، وتدريب عناصرها عسكريا لاستهداف المصالح العليا للمملكة.

ويتضح من ذلك أن الدولة المغربية كانت على اطلاع بكل ما يجري داخل مخيمات تندوف، وبوفود المسؤولين الإيرانيين ومسؤولي حزب الله الذين زاروا المنطقة في العام 2016 لتقديم الدعم والمساعدة وإجراء مباحثات مع مسؤولي الجبهة، وهي الزيارة التي تحدثت عنها في تلك الفترة وسائل إعلام جزائرية، من زاوية التباهي بأن تلك الزيارة تؤكد الاقتناع الإيراني بجدوى أطروحة البوليساريو.

وكان نفس الأمر قد حصل في العام 2009 عندما قطع المغرب علاقاته مع النظام الإيراني، فسارعت بعض الصحف الجزائرية إلى تفسير الأمر بوصفه رد فعل على التأييد الإيراني لما سمته “قضية الشعب الصحراوي”.

بيد أن علاقة إيران بنزاع الصحراء ليست جديدة. فمنذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، أدركت إيران في عهد الخميني أن دعم جبهة البوليساريو يمكن أن يشكل مدخلا إلى زعزعة استقرار الملكية في المغرب. فالخميني لم يغفر للملك الراحل الحسن الثاني كونه أحد الزعماء العرب الذين انتقدوا الثورة الشيعية في وقت مبكر، ووقفوا إلى جانب الصف العربي والنظام العراقي الأسبق في حربه مع إيران، كما لم ينس انفراد الجزائر بموقفها في دعم الثورة الشيعية عام 1979، ربما في مناكفة واضحة للمغرب، وكذا موقفها المؤيد لها في الحرب العراقية – الإيرانية.

وفي إطار مساعيها إلى تصدير “الثورة” خارج محيطها، عملت إيران على تبني أطروحة جبهة البوليساريو باعتبارها تعبيرا عن حالة “استضعاف” في المحيط المغاربي.

وقد يكون الأقرب إلى واقع التاريخ أن جبهة البوليساريو هي أولى الميليشيات خارج إيران التي دعمها النظام الإيراني مباشرة بعد نجاح الثورة الشيعية، قبل أن تتطور تلك النزعة الإيرانية إلى ما يحصل اليوم من دعم لميليشيا الحوثيين في اليمن، مرورا بحزب الله اللبناني الشيعي؛ بل إن إنشاء هذا الأخير تم على غرار جبهة البوليساريو نفسها. فكما أن الجبهة كانت امتدادا للسياسة الجزائرية في التراب المغربي، كان حزب الله امتدادا للسياسة الإيرانية في التراب اللبناني.

وظلت إيران حريصة على تقديم الدعم للبوليساريو في أي مناسبة أتيحت. وفي العام الماضي وخلال افتتاح مؤتمر التعاون الثقافي بين إيران والعالم العربي في مدينة قم نشرت إيران خريطة للمغرب من دون أقاليمه الصحراوية، بل إنها جعلت علم ما يسمى “الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية” يرفرف بين أعلام البلدان المشاركة. وقد أزعج ذلك الموقف الجانب المغربي وأظهر أن إيران تسعى إلى استفزاز المغرب من خلال محاولة تسويق أطروحة الانفصال، إذ لم يكن من الدبلوماسية السماح لعلم تنظيم مسلح بالظهور في نشاط رسمي، مع أن المؤتمر كان بين إيران وبين دول عربية ممثلة في الجامعة العربية التي ليس التنظيم المذكور عضوا فيها بالطبع.

غير أن النظام الإيراني نظام انتهازي ويمكن أن ينقلب حتى على حلفائه. فبالرغم من العلاقات القوية مع الجزائر، والأدوار التي لعبها النظام الجزائري لفائدة النظام الإيراني، بدءا من الوساطة في حادث السفارة الأميركية بطهران عام 1979، والحرب العراقية – الإيرانية، والوساطة بين باريس وطهران، والزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد لطهران عام 1982، إلا أن النظام الإيراني دعم جبهة الإنقاذ الإسلامية في صراعها ضد النظام الجزائري في عهد بن جديد نفسه في النصف الأول من التسعينات، ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ولم يتم تطبيع العلاقات إلا عام 2000 بعد المصالحة الوطنية في عهد عبدالعزيز بوتفليقة، إذا ليس النظام الإيراني نظاما يمكن الوثوق به.