فهد الدغيثر 

 مهما تصور البعض قوة إيران في المنطقة و «دهاء» السياسيين الإيرانيين في المفاوضات، وهذا يتردد في بعض مناقشات المجالس، فإن كل ذلك يصطدم في النهاية بفكر «المرشد الأعلى» ويتحول إلى حُطام.

لنراجع تاريخ السياسة الإيرانية منذ ثورة الخميني ونتائجها ثم نحكم. دخلوا في حرب مع صدام حسين ولم ينجحوا واستسلموا للعراق بعد أن زجوا بعشرات الأمواج البشرية من الأطفال على حدود الجبهة تسببت بقتل مئات الآلاف. بدلاً من كسب تأييد المملكة ودول الخليج العربي وهي الأقرب لهم، بادروا باستعدائها عبر التركيز على فكرة تخريب مواسم الحج سنة بعد أخرى. بدأوا بفكرة التظاهرات في مكة والمدينة لإعلان «البراءة من المشركين». فشلت هذه الخطة في العام 87 وسقط بسببها عدد كبير من الضحايا في مكة المكرمة يقدر عددهم بـ400 شخص، منهم 85 من أفراد القوات السعودية المختلفة. لجأوا في الموسم التالي إلى محاولة تهريب المتفجرات في حقائب الحجاج الإيرانيين من دون علمهم بهدف تفجير المشاعر، وبالتالي إثبات عجز المملكة عن حماية الحجيج، لكن رجال الجمارك السعوديين تمكنوا من كشف اللعبة وتم القبض على المهربين.

بعد تأسيس منظمة «القاعدة» والتأكد من توجهها نحو محاربة المملكة والتفجير بالداخل السعودي، هبوا لاستضافة رموزها وحمايتهم أثناء الضربات الأميركية على أفغانستان التي تلت تفجيرات الـ11 من أيلول (سبتمبر)، بعد ذلك حاولوا التصالح مع السعودية وزار السيد رفسنجاني المملكة ولقي ترحيباً رسمياً واسعاً، لكن عندما عاد إلى بلاده وجلس أمام المرشد تغير كل شيء وعادت حليمة إلى عادتها القديمة.

في «الربيع العربي» وجدوا بعض الأمل مع وصول مرسي إلى الحكم في مصر، وبادر أحمدي نجاد بزيارة القاهرة واحتفلت جماعة «الإخوان المسلمين» به، لكن سرعان ما هربوا بعد خروج الملايين من الشعب المصري في الـ30 من يونيو 2013 بثورة مضادة أطاحت بحكومة محمد مرسي. ومع اندلاع الثورة السورية وجدوا منفذاً جديداً يتمثل في تقديم الدعم للأسد وتحقق لهم ذلك بسبب تواجد «حزب الله» على الحدود وخبرة رجال هذا الحزب في القتال والكر والفر، ظنوا أن هذا الدعم سيوفّر لهم الفرصة لتأسيس قواعد عسكرية في سورية، وأين؟ بجانب إسرائيل. في الوقت ذاته نجحوا في ضم الحوثيين لعقيدتهم ودعموهم لوجستياً وعسكرياً لغرض الانقلاب على الحكومة الشرعية في اليمن، هذا بخلاف تدخلهم في البحرين والدعم الذي أتاهم من قطر، وهذا أيضاً سقط بعد دخول قوات «درع الجزيرة» التي حسمت الجدل وأنهت التمرد. هنا وفي هذه الأوقات خرجت مقولة سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، صدقّها السذج وروج لها البسطاء.

تخلل هذه الفترة موقف الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون من ثورات «الربيع العربي» ودعم هذه الإدارة لجماعات «الإسلام السياسي». وفيما يشبه العقوبة لدول الخليج بسبب إفشالها لهذا المشروع، فوجئنا بهرولة الغرب نحو عقد ما عرف لاحقاً بـ «الاتفاق النووي» مع إيران. صحيح أن إيران نجحت في هذه المفاوضات، لكنها فشلت في الالتزام ببنودها وهو ما أكدته أجهزة الموساد وأعلنه بنيامين نتانياهو في مؤتمر صاعق قبل يومين.

أين يكمن الفشل الإيراني بعد كل هذا الإيجاز؟ مرة أخرى سيطرة الأيديولوجيا على القرار السياسي، إذ ومهما بلغت مهارة الوزير ظريف وغيره في تحقيق بعض المكاسب على طاولة المفاوضات وقد سبقه محمد خاتمي بسنوات، فالمرشد في النهاية هو من يقرر الخطوة التالية. هل يعقل وأنت مقبل على تجديد الاتفاق النووي مع دول الغرب بعد بضعة أشهر فقط أن تمول وتدعم إطلاق الصواريخ الإيرانية الصنع على الرياض انطلاقاً من اليمن؟ العالم لن يقف متفرجاً على هذه الجرأة بصرف النظر عن تعاطفه أو خلاف ذلك مع السعودية، الصواريخ الباليستية أصلاً جزء من منظومة بنود الاتفاق، هذا هو النمط الإيراني الذي يتكرر في كل مناسبة. نتفق إذن أن فكرة «المرشد» الغارقة في الأيديولوجيا لا يمكن أن تنجح سياسياً في هذا العصر مهما تعددت ألوانها وحيلها ومراوغاتها.

النتائج التي نراها اليوم ونقيّم عليها السياسة الإيرانية الفاشلة تبدأ في حرب التحالف العربي ضد ميليشيا الحوثي الإيرانية في اليمن، فعلى رغم كل أنواع الدعم الإيراني، اليمن تنتفض وتقاوم وستدحر الحوثي في نهاية الأمر، في الشام تستمر إسرائيل في قصف المواقع الإيرانية بلا أي مقاومة تذكر لا من حزب الله ولا من روسيا ولا من نظام بشار، حتى العراق بسنته وشيعته يتململ من تواجد إيران ويتمنى الخلاص. هنا نتساءل، أين عامل المخاطر عند اتخاذ الساسة الإيرانيين قرارات دعم هذه الميليشيا والدخول في حرب سورية الأهلية ومحاولة التغلغل في العراق وإنفاق البليونات من مستحقات الشعب؟

أما داخلياً فالموضوع لا يحتاج إلى شرح وتفصيل، يكفي الرجوع إلى المستويات القياسية في هبوط العملة الإيرانية وارتفاع البطالة وتضخم نسبة الفقر بين السكان لقياس هذا الفشل الكبير، بوضوح أكثر تخيلوا فقط لو أن إيران التي تملك كل مقومات النهضة والتقدم استثمرت ثرواتها المهدرة طوال العقود الأربعة الماضية في الداخل، وحافظت على علمائها ومهندسيها وأدبائها، ومعظم هؤلاء يعيش اليوم في المهجر، في بناء الاقتصاد الإيراني ومقارعة الكبار كما فعلت دول أخرى نهجت هذا المسار، ماذا سيكون وضعها ومكانتها وهيبتها واحترام الغير لها؟

مجدداً نتساءل بعد الوقوف على كل هذه الحقائق وغيرها واستعراض مخرجاتها وما ينتظر حكومة روحاني من مراجعات دولية في الأيام القليلة المقبلة، هل ما يزال البعض يرى إيران دولة قوية مُهابه؟ هل يعقل أن نردد بأن إيران تنتصر، ورهانها دائماً وأبداً يعتمد على الحرب بالوكالة، أي على البحث عن أولئك الخونة الذين لا يجدون أي مشكلة حتى في ضرب مصالح بلادهم وشعوبهم؟ ثم أن الانتصار يعني توافر المؤشرات والأرقام القياسية وقوة النفوذ وكسب احترام الخصوم وتعدد التحالفات مع الدول الأخرى، وهذه عناصر لا يتوافر منها شيء في هذه الجمهورية المارقة. حلفاء إيران في العالم هذه الأيام هم بشار الأسد وعبدالملك الحوثي ونصرالله وحمد بن خليفة آل ثاني.