سامر إلياس 

يُعدّ الكرملين، وفق مراسم تُعتبر سابقة واحتفالات ضخمة، لتنصيب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية رابعة تنتهي عام 2024. ويدخل بوتين الكرملين بعد غد، قيصراً مدعوماً بأصوات 77 في المئة من المشاركين في انتخابات الرئاسة التي نُظمت في 18 آذار (مارس) الماضي، وسط إقرار واسع بدور متصاعد لموسكو في رسم السياسات العالمية.


وبعد 18 سنة على حكمه روسيا، استطاع بوتين تهميش دور المعارضة في الحياة السياسية، وعطل بروز مؤسسات مجتمع مدني قوية، وبات حزب «روسيا الموحدة» مهيمناً على الهيئة الاشتراعية. كما أعاد الهيبة للجيش وأجهزة الأمن، ونسج علاقات قوية مع الكنيسة الأرثوذوكسية.

وفي السياسة الخارجية، ظهر بوتين في ولايته الأخيرة قائداً عالمياً بلا منافس، واستغلّ ضعف الإدارة الأميركية السابقة، ورغبتها في الانكفاء عن دورها العالمي، وعزّز المواقع العالمية لموسكو. ومنحت الأزمة الأوكرانية وتدخل روسيا في سورية، فرصة ذهبية استغلّها الساسة الروس ببراعة لإعادة أمجاد افتقدوها في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين.

كما انتهز الكرملين تراجع الدور الأوروبي، إثر خلافات على خلفية أزمة اللاجئين وصعود اليمين الشعبوي، والانسحاب المرتقب لبريطانيا من التكتل، في جذب أطراف أوروبيين إلى صفّه، يطالبون بتخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، بعد ضمّها شبه جزيرة القرم وتورطها بالأزمة الأوكرانية.

وعلى رغم عوامل القوة، يواجه بوتين تحديات كثيرة، إذ يبدأ ولايته الرابعة في ظل أزمة ديبلوماسية تُعتبر سابقة مع الغرب، واتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية والأوروبية، ودعم التيارات الشعبوية في الاتحاد الأوروبي. ولا يزال ملف تسميم العميل السابق للاستخبارات الروسية سيرغي سكريبال مفتوحاً على تطورات كبيرة.

وبعد خطاب ناري ألقاه الشهر الماضي، فتح بوتين الباب واسعاً أمام سباق تسلّح جديد ينهك الاقتصاد الروسي، إذا تواصل. ومن أهم التحديات التي تواجه موسكو، استمرار الحلف الأطلسي في سياسة التوسع شرقاً، مع مخاوف جدية من ولوجه إلى المحيط السوفياتي، في شرق أوروبا ووسطها، ومنطقة القوقاز.

وعلى رغم اختراقات مع دول أوروبية، يبقى موقف بلدان محورية في الاتحاد القاري رافضاً لضمّ شبه جزيرة القرم، ولا يمكنه تطبيع العلاقات مع روسيا من دون خطوات جدية، تنهي الحركة الانفصالية المدعومة من موسكو في جنوب شرقي أوكرانيا.

كما تشكّل الأزمة السورية تحدياً ضخماً لروسيا، فعلى رغم دورها المهيمن في رسم تفاصيل الحلّ، مع تركيا وإيران، فإن خلافات داخلية بين الأطراف الراعين لعملية آستانة قد تنسفها. كما أن التدخلات الإسرائيلية والغربية تنذر بتفاقم هذه الخلافات والحدّ من دور روسيا وقدرتها على تحقيق توازن مطلوب بين قوى تحمل أهدافاً متناقضة في سورية.

وبعيداً من هموم السياسة الخارجية، جاء التفويض الواسع لبوتين من دون برنامج اقتصادي واجتماعي واضح. ولا يزال النموّ الاقتصادي دون المستوى المطلوب، ويُجمع خبراء على صعوبة تحقيق الأهداف التي طرحها بوتين، بتحقيق معدلات نموّ أكبر بمرتين من المعدل العالمي، في ظل استمرار العقوبات الغربية، والمشكلات الهيكلية في الاقتصاد الروسي وانخفاض إنتاجية العمل، وضعف الاستثمار في رأس المال الأساسي، والتخلّف التقني، إضافة إلى الفساد، والامتناع عن تنفيذ إصلاحات سياسية وقضائية تشجّع على الاستثمار.

ومع أن مزاج معظم الروس لا يميل إلى التظاهر والثورة، فإن مزيداً من تردي الأوضاع الاقتصادية يشجّع فئات أكثر من الروس على الاحتكام إلى الشارع، لطرح ملفات مطلبية أو الاحتجاج على ظواهر وحوادث وقرارات.

وفي حال أصرّ بوتين على أنه ليس في وارد الدفع بأي تعديلات دستورية لضمان بقائه بعد العام 2024، فإن مهمة صعبة تنتظره وهي إيجاد خليفة له يكون مقبولاً وقادراً على ضبط مصالح القوى المختلفة ويحظى بكاريزما وحضور قويَين مثل الرئيس.

وفي غياب أي تسريبات عن خطط المستقبل، سيكشف قرار بوتين في شأن تشكيل الحكومة جزءاً من سياسته الداخلية، وربما الخارجية، والخيار بين علاقات جيدة مع الغرب أو استمرار العداء، والتركيز على الملفات الداخلية أم الخارجية، والانجرار إلى سباق تسلّح أم الاكتفاء بما عُرِض الشهر الماضي وما اختُبِر في حقل الرماية السوري.