عبدالله بشارة 

بعد عشرة أيام في لندن وفي لقاءات مع رجال السياسة والإعلام والمهتمين بقضايا الخليج، يمكن لي أن أتناول بعض المشاهد التي شاهدتها، والتي تحدثت فيها، والتي سمعت من خلالها الكثير عن رأي هؤلاء في الشأن الخليجي، وأبدأ بالثناء على الجهد السخي الذي بذله كل من السيد خالد الدويسان عميد السلك الدبلوماسي في لندن، والتلقائي بطبيعته والمتواجد بمسؤولياته، والسيد محمد عبدالعزيز الشايع صاحب الحس التجاري النادر، والمبدع في حقول الربح والخسارة، وبالطبع فالثناء على المساعدين في السفارة وفي الجهاز الفني لمجموعة الشايع، على تلك الحفلة الرائعة التي شارك فيها نحو مئة وثمانين مدعواً برعاية جمعية الصداقة الكويتية – البريطانية، واستمع خلالها هؤلاء المدعوون من النخب في لندن إلى الكثير عن الكويت وأحلامها في تخفيض اعتمادها على النفط وتوجهها إلى مدن الحرير نحو التنمية المستدامة.

وعلى الرغم من أبهة الاحتفال، والمشاركة الواسعة والثناء على الكويت، فإن الحقائق التي تنقلها وسائل الاعلام وتصريحات المسؤولين في الخليج واتساع الخرق بين قطر وكل من المملكة العربية السعودية والبحرين والامارات، شكلت عبئاً على المنظور الايجابي الذي كان يحمله رجال السياسة والاعلام في لندن عن المستقبل الاستراتيجي والسياسي والأمني.
بدأ وهج مجلس التعاون في الانحسار، بل أسجل أنني سمعت كثيراً من عبارات التشاؤم عن الواقع المستقبلي للمنطقة، وكان دوري التقليل من هذا الشحن السلبي، مدعوماً بمتابعتي لمساعي سمو الأمير ودعوة معالي الشيخ صباح الخالد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية لعقد اجتماع الهيئة الاستشارية الذي كان مقرراً في الثاني من مايو الجاري، وكلما تحدثت عن الأمل كان التعليق معارضاً، فالواقع أن أغلبية المراقبين يرون أن مجلس التعاون انتهى، وهناك الحس السياسي بأن بعض دول المجلس لا تهتم بالمجلس ولا بمصيره، في سعيها النشط نحو التنمية وتعزيز قدراتها السياسية والاقتصادية، وكان القول باختصار إن واقع المساعي التي تقوم بها دولة الكويت وغيرها هو ضياع للجهد والوقت، وكما يقولون Zero sum game، ويقترن هذا الموقف بعرض مشورة الأصدقاء بأن ينظر الخليجيون جميعاً إلى الواقع العالمي السياسي، فالدبلوماسية الأميركية غير مستقرة في إدارة الرئيس ترامب، وأوروبا مشغولة بمشاكلها مع روسيا، وبريطانيا تتجادل حول الانسحاب من أوروبا، وروسيا تعاني من سوريا، وإيران تتصيد لتكسب من الخلاف الخليجي، وأكثر النصائح حدة هي ضرورة انسجام دول النفط مع واقع الطاقة الصخرية التي فجّرتها التكنولوجيا المتقدمة.
يعني بكل وضوح التفكير في صيغة جديدة مختلفة عن مجلس التعاون بالتحول من تعهد bond إلى عقد contract فيه محاسبة وفيه مكاسب، وان صفاء النوايا ونظافة السلوك ليست عناصر مضمونة في العمل السياسي بين الدول، وعلى الخليجيين أن يتقبلوا صيغة سياسية قانونية ويخرجوا من أوهام دوام الاستقرار وجودة الحياة، خصوصاً في هذه الفترة مع أجواء الحدة بين واشنطن وطهران.
وأكثر ما يضايقهم استحالة تحقيق موقف عسكري موحد معبر عن الاعتماد على الذات في جوانبه الأمنية، فلا يرون جانباً مشجعاً نحو هذا الشأن.
في ندوة حضرتها يوم الثلاثاء أول مايو عن الخليج وأبعاده الدولية: The Gulf in Global Politics، كان النقاش عن أهمية التفاف الخليج نحو الهند والصين واليابان، واحتمالات توظيف المحافظ المالية المختلفة للاستثمار نحو آسيا بدلاً من التركيز على أسواق الغرب، ولم يتجاهل المشاركون اعتماد الخليج على العمالة الآسيوية، التي وثقتها زوبعة الفلبين مع الكويت التي كشفت الفرق الواسع بين منظور الخليج لدول العمالة وبين توقعات الدول المصدرة، وأتذكر طرح مقترح تجنيس بعض هؤلاء، وكان الرد الخليجي الاكتفاء بتوفير الحقوق الإنسانية من اقامة للعلاج وتعليم وحرية المقدسات مع معرفة الوافدين باستحالة الدمج لمسببات سياسية واجتماعية وثقافية وأمنية.
كانت الاشارات حول الشباب الخليجي ومستقبله وطموحاته موضوعا دائما في هذه الحلقات النقاشية، مع التركيز على سيادة القانون لتأمين صلابة الوحدة الوطنية، والتجاوب في المشاركة الشبابية في قرارات تمس حياتهم.
هذه الفقرات تنقل قلق الأصدقاء على مستقبل المنطقة التي كان الأمل كبيراً في دور مجلس التعاون ومسيرته، وبرزت الدعوة الآن إلى صيغة أخرى ترسم شكل خليج المستقبل الجريء في التعامل مع قضاياه السياسية والتنموية والفكرية والأمنية، بما يتناسب مع توقعات المجتمع العالمي، وبوضوح أكثر أن يعمل الخليج على الحفاظ على قدراته المالية وينميها عبر قاعدة التعليم والاقتباس والمشاركة في منتديات فنون الادارة الحديثة للسياسة والاقتصاد، مع متابعة إيجابية من هذه الفئات الاعلامية والسياسية لطموحات الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة.
عدت إلى الكويت وفي ذاكرتي عبارات توحي بالنعي لمسيرة المجلس، وتشير تلك العبارات إلى تكاثر التحديات لدول الخليج، لتنظر جدياً وبعقلانية إلى مستقبلها.