سالم سالمين النعيمي 

في عام 2050 سيتطور الطب والتعليم والصناعة، وسيصبح بالإمكان السكن في منازل ذكية، وسنشهد شبكات اجتماعية فائقة التفاعل ومرتبطة في الدول الأكثر تقدماً بالجهاز العصبي للكائن البشري ستتحول إلى نظام رقابة على صنع القرار من خلال قنوات تنهي عصر الممثلين المنتخبين في البرلمانات التشريعية. ولن ينتظر أحد الانتخابات كل أربع سنوات لرصد القرارات والتأثير فيها وستكون الديمقراطية بتجلياتها الحالية نظام عقيم لا يتواكب مع متغيرات الوقت والمكان، ولن تكون هناك ضوابط تفرضها الدولة على وسائل الإعلام وستبرز قضايا عالمية الفكر والتفكير والهوية الجامعة بدلاً من الهوية التقليدية، والتي ستصبح مادة تُدرّس كجزء من تاريخ نشوء المجتمع الإنساني، وليست قضية فاعلة في حياة الأفراد وسياسياً ستقبل إسرائيل بحل الدولتين، ولكنها ستزول كدولة بمسمى إسرائيل، وما ذكر من تحولات متوقعة هي فقط جزء من ما سيحدث في المنطقة.

دول عربية ستختفي من الخارطة، وأخرى ستنضم لدول أخرى ودول جديدة إثنية ستظهر على الوجود وتصبح الحدود الجغرافية ذات قيمة افتراضية، ويكون السفر من دون حمل وثائق مادية وستنهض مصر كقوة شرق أوسطية ذات تأثير عالمي ملموس، وتتعاون مع تركيا والأسواق الأوروبية بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك سيحدث إذا ما تم معالجة الفقر والتهميش والتضخم في نسبة الشباب في التعداد السكاني، وسترجع مصر قلب العالم العربي والقوة التي تستمد منها كل الدول العربية قوتها بجانب المغرب التي ستتفوق على باقي دول الوطن العربي، وتصبح هي ومصر الأكثر نفوذاً وتأثيراً في المنطقة، ومن خلالهما سيفرض التكامل الإقليمي، وتدخل تركيا وإيران في منظومة اتحاد إقليمي، مع دور مهم لكل من الإمارات والسعودية في صنع القرار الإقليمي والدولي، وانتقال سياسي حتمي لمنطقة الخليج العربي، والتجمع في كيان موحد لمواجهة التكتل، الذي سيكون المهيمن في هذا الجزء من العالم بالتعاون مع الصين وروسيا، مع أخذ سوريا الوضعية الصومالية، وتقسيمها مع كل من العراق والأردن وليبيا واليمن مع احتمال كبير بانضمام الأردن إلى الكيان الخليجي، ليتجنب التقسيم، ولن يكون للدول الخليجية خيار وحرية في الدخول في الوحدة الخليجية.

ومثل الصومال، سيكون لدى سوريا حكومة معترف بها دولياً، وتمثيل دائم في الأمم المتحدة. وسيواصل إصدار جوازات السفر وصياغتها، ومثل حكومة الصومال، فإن الحكومة السورية ستحكم ولن تحكم على كامل حدودها المعترف بها دولياً، وسترتفع أصوات المطالبة بمبدأ اللاعنف في المنطقة، والكفاح السلمي والمقاومة المدنية كوسيلة لتحقيق التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي في المجتمع.

والأمر الآخر هو الانتقال من الاعتماد على النفط والغاز إلى الاقتصادات الأكثر تنوعاً، وبالتالي يصبح مجتمع الشرق الأوسط، منطقة تجارية حرة، وينخفض إنتاج النفط الخام في الشرق الأوسط إلى أقل من 10 ملايين برميل، بينما استهلاك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط سيتضاعف بحلول عام 2050 ، حيث إن سياسات تغير المناخ في جميع أنحاء العالم ستخفض الطلب على الوقود الأحفوري، وسيكون الذكاء الاصطناعي (AI) مؤشراً كبيراً على اللعبة في الاقتصاد العالمي، وستحل منظمة العفو الدولية كبديل للأمم المتحدة، وستزيد البطالة في بعض الدول العربية الغنية حالياً إلى أكثر من 50٪ .

وأما بخصوص العمل في القطاع العام سيكون أكثر تنافسية في المنطقة. ولن يكون جاذباً للقوى العاملة المحلية، وستتدنى الرواتب بصورة كبيرة مقارنة مع القطاع الخاص، وعليه تجب معالجة إشكالية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنفق 84 مليار دولار على التعليم ، أي 9 في المائة من إجمالي الإنفاق العالمي إلا أن الإخفاق لايزال ملحوظاً في علاج أوجه القصور في التعليم، والتوجه للغة الإنجليزية، وقريباً الصينية، سيضع الوطن العربي بالتحديد أمام تحدٍ سيضعف بالضرورة الافتخار بالهوية والاعتزاز بالثقافة وقيم المجتمع مقابل الشعور بالغربة وعدم الانتماء.

كما سيعمل الغلاء المعيشي ونظام الضرائب وغياب آليات معتمدة للانفتاح نحو التجنيس الإيجابي على الهجرة العكسية للمواهب، ويتحول رأس المال البشري للعمل خارج حدود الشرق الأوسط، وتبدأ هجرة العديد من شباب منطقة الخليج للأسواق الأكثر نمواً وتطوراً ويرجع هذا السيناريو برمته، والتوقعات المستقبلية في الواقع إلى المؤشرات الحالية في الإدارة العامة للملفات الساخنة في المنطقة، ومعدل نمو الثورة المعرفية والبنية التحتية للذكاء الصناعي وما بعد الذكاء الصناعي، والموارد المتوفرة والنمو السكاني المتسارع ونوعية الحياة ونمط الحياة المتبع، وآلية التعامل مع الأزمات التي تزحف ببطيء نحو المنطقة!