رندة تقي الدين

انتخابات لبنان لم تغير شيئاً في ميزان القوى في لبنان. الكل كان يعرف أن «حزب الله» مهيمن في القرارات الإقليمية والدليل أنه لم يلتزم يوماً بالنأي بالنفس عن أزمات المنطقة.


لكن الساحة الإقليمية والتطورات الدولية مع إعلان قرار ترامب عما سيفعله بالنسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران تطرح أسئلة كثيرة حول كيفية تعامل لبنان وحكومته التي سيترأسها (أغلب الظن) سعد الحريري مع مواضيع مختلفة في طليعتها ملف اللاجئين السوريين وأيضاً العلاقة مع النظام السوري والموقف من أعمال إيران في المنطقة وتنفيذ شروط مؤتمر «سيدر». سبق للرئيس ميشال عون ووزير خارجيته وصهره جبران باسيل أن أدليا بتصريحات عدة بضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. ويوافق الحريري على مبدأ ضرورة عودتهم ولكن عندما تسمح الظروف الأمنية لهم بالعودة وطلب من الاسرة الدولية في بروكسيل مساعدة لبنان في تحمل هذا العبء. ويريد النظام السوري من الحريري ان يتفاوض معه بهذا الشأن ليجبره على التنازل عن موقفه الرافض للتحدث مع بشار الأسد. وسبق لوزير خارجية النظام وليد المعلم في نيويورك أن طلب من نظيره اللبناني الذي لم يتردد في لقائه من دون موافقة مسبقة من مجلس الوزراء ورئيس الحكومة، ألا يصرح بضرورة التفاوض مع النظام السوري في هذا الشأن بل أن يترك هذه المهمة للحريري لإجباره على التحدث مع هذا النظام.

فهل يتمكن الحريري في حكومة يرأسها وتضم وزراء عديدين محسوبين على «حزب الله» وعلى النظام السوري ان يقاوم مثل هذا التوجه ويُجبَر على التفاوض مع نظام يقاتل سنّة بلده ويشردهم ويحولهم إلى لاجئين منبوذين في الدول المجاورة. وسبقت هذا التحامل على سنّة بلده أوامره بقتل الكثيرين من شهداء لبنان في طليعتهم زعيم السنّة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.

ما من شك في أن فتح ملف العلاقة مع النظام السوري ستكون من أصعب الملفات التي سيواجهها الحريري لان جبران باسيل الطامح لخلافة عمه سيكون مع حليفه «حزب الله» صاحب القرار الأساسي حول هذا الملف. والحزب لم يبالِ يوماً بقرار الحكومة بالنأي بالنفس. والأمر الآخر الذي من شأنه أن يطرح السؤال هو حول كيفية مواجهة الحريري خطر التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل إذا انسحب ترامب من الملف النووي الإيراني وصعدت إيران عبر «حزب الله» كل أعمالها التخريبية في المنطقة من سورية الى اليمن الى لبنان. فحسن نصرالله صرح فور فوزه في الانتخابات بأن بيروت هي المقاومة. وجاء ذلك بالتزامن مع تصريح أحد مسوؤلي إسرائيل بعد الانتخابات بأن لبنان يعني حزب الله وكأن ذلك تناغم مع موقف حزب الله . واذا استمرت إسرائيل في التصعيد مع ايران في سورية، يبقى السؤال هل تجرّ حزب الله الى ادخال لبنان في الحرب ما دام نصرالله يعتبر ان بيروت للمقاومة؟ ليس من مصلحة حزب الله ان يفتح جبهة اخرى في لبنان، لكن قد يرى نفسه مضطرا إلى ذلك خدمة لولي امره الايراني.

فهل يعود سيناريو ٢٠٠٦ إلى لبنان؟ عندئذ فإن وعود مؤتمر «سيدر» والآمال التي اعطيت للبنانيين ستزول. لكن في الملف الاقتصادي اظهر الرئيس اللبناني كما رئيس حكومته اهتماماً كبيراً بإنجاح مسار سيدر. وذلك بعكس «حزب الله» وأمينه العام وإعلامه الذي شكك في المؤتمر. وللحريري حليف في هذا الملف الاقتصادي هو الرئيس وعائلته الحاكمة. ولو أن طموح باسيل للرئاسة يخيره بالبقاء إلى جانب نصرالله كما اظهر في تصريحاته خلال الحملة الانتخابية.

ونتائج انتخابات لبنان لم تأت بمفاجأة خارقة لكنها تطرح اسئلة عديدة في مرحلة اقليمية وعالمية بالغة الخطورة في منطقة الشرق الأوسط مع مواجهة بين نظام إيراني ووكيله «حزب الله» يزعزعان استقرار المنطقة ورئيس أميركي وحليفه الإسرائيلي المتهورين. فالدعاء ألا يكون الآتي أفظع لمنطقة تعاني ما يكفي من الحروب والخراب.