سمير عطا الله

 ودعت مصر خالد محيي الدين، آخر «الضباط الأحرار» الذي شاركوا في ثورة 23 يوليو. ولا أعتقد أن الرئاسة المصرية نعت أحداً من قبلُ بمثل ما نعت به الرجل. وخارج مصر كنا ننظر إليه كأحد أنقياء العرب، مدنيين أو عسكريين.

تفرق الضباط الأحرار شيئاً فشيئاً وفرداً فرداً، احترق بعضهم حول مركز السلطة أو في الابتعاد عنها. من بقي حاضراً بعد عبد الناصر أطفأه أنور السادات في ضربه «لمراكز القوى». ظل خالد محيي الدين منفرداً مع مبادئه و«أهداف الثورة». وحده وقف مع محمد نجيب عندما تقررت إزالته، ووحده ظل يقول إن الابتعاد عن الديمقراطية سوف يدمر الثورة. وفيما اندفع السياسيون إلى «الانفتاح» والأغنياء الجدد، انصرف خالد محيي الدين إلى توطيد وتأكيد سمعته كمدافع عن الناس وقضاياهم و«مصر الوسطى».
شتّت الأنظمة العربية خصومها بطرق كثيرة. بعضها قصير كالموت الغامض، وبعضها تكريمي كالمنصب الدبلوماسي. وبعضها أكثر تنكيلاً وأقل رحمة كالسجن العربي الشهير.
خالد محيي الدين أرسل إلى الخارج مع إغراءات سويسرا. لكنه عاد ليكون إلى جانب الناس من دون أن يوحي للنظام بأنه يريد لنفسه شيئاً، أو أنه يريد أن ينافس أحداً. وفي مهارة وبراعة وطيبة فائقة، ظل في السياسة وبعيداً عن السياسيين. وتجنب «الأجنحة» و«مراكز القوى» في جميع العهود، لكنه لم يتردد في الإعراب عن موقفه في سبيل مصر.
وأحد أبرز تلك المواقف كان رأيه بالمشير عبد الحكيم عامر، وهو أن الرجل قلْبٌ طيب ويحب الحياة ويطيل السهر ويكره أن يفيق مبكراً، ولذا، ليس مؤهلاً لقيادة القوات المسلحة. وهذا هو الموقف، أو الرأي، الذي عبر عنه عبد الناصر لمحمد حسنين هيكل بعد وقوع الكارثة.
يقول خالد محيي الدين في مذكراته إن عبد الناصر كان يدرك ذلك، لكنه كان يريد في الجيش صديقاً وفياً يثق به ويحميه من أي مؤامرات محتملة.
يأخذ خالد محيي الدين معه إلى التاريخ مسمى «الضباط الأحرار» الذي استخدم في العراق وليبيا واليمن وجميع المراحل العنفية التي رفعت الأعلام على خراطيم الدبابات معلنة وصول العسكر وألويتهم ورؤيتهم للبلاد. ثكنة تطيع الأوامر وتناقش الأحكام بعد تدلي الجثث عن المشانق.
قال نعي الرئاسة إن «مصر ستبقى ممتنة لإسهامات الفقيد الوطنية ومسيرته الخالدة التي ستظل محفورة في ذاكرة العمل السياسي المصري بكل تقدير واحترام من الجميع». رجاء، أضيفوا إليها، العرب أيضاً.