عبدالله بن بخيت: في بداية حياتي مع الكتابة عملت في الصفحات الثقافية واستمررت على هذه الحال سنوات، في أحد الأيام طلب مني مدير التحرير الكتابة في الشأن العام، سطرت له مقالة من ثماني مئة كلمة، لا أتذكر موضوعها الآن ربما كانت عن أثر الثقافة أو عن الحياة أو أي موضوع آخر، بعد يومين دعاني إلى مكتبه، وقال مقالة رائعة جداً، شكرته على الإطراء واعتبرتها تشجيعاً لكاتب شاب يخطو خطواته نحو مجد الكتابة،

سألني سؤالاً لم أفهم مغزاه في البداية، ماذا سيحدث لمقالتك لو أننا أجلنا نشرها خمس سنوات ثم نشرناها؟ احترت في الجواب لأني لم أصل إلى ما يرمي إليه، ثم سأل ماذا سيحصل لمقالك لو أجلناه عشر سنوات ثم نشرناه؟ احترت أكثر، ثم فاه بالحكمة التي لم أزل أؤمن بها: المقال الذي يسمح موضوعه بتأجيله سنوات ولا يتقادم لا يعتبر مقالاً صحفياً، وإذا استمر كاتبه في هذا الاتجاه فلن يجد من يقرأ له.

الكتابة الصحفية يجب أن تكون صحفية، أن تشبع احتياجات المعرفة الآنية، لفك الاختلاط بين الأجناس المتعددة في كتابة المقالة نشأت مجلات متعددة الأغراض ومختلفة في زمن دورات الصدور.

لكن مسألة زوالية العمل المنشور في الجريدة قاد الصحف العربية إلى كثير من المشكلات المتصلة بدورها التنويري، دفع بها أكثر نحو الخفة، ابتعاد الأعمال الجادة عن الصحافة أفقدها الاحترام الذي تستحقه، الكتابة البحثية ليست مناقضة دائماً للصحف اليومية.. الكاتب الأسبوعي أو اليومي يمكن أن يغطي الجانب التاريخي أو جذور حادثة آنية ولكن على أدنى مستوى. في بعض الأحيان تحتاج الأحداث إلى قراءة أكاديمية (مبسطة) لكي تصبح مفهومة عند القارئ، على سبيل المثال لماذا تقف الصين في مجلس الأمن إلى جانب النظام السوري، في كل مرة نسمع أن الصين صوتت إلى جانب النظام السوري نصاب بالدهشة، لا يوجد في سورية ما يغري الصين أن تصوت ضد الشعب السوري وضد حلفائه الأثرياء، في هذه الحال يأتي دور الباحث الأكاديمي الصحفي ليضيء الجوانب الغامضة التي لا يمكن أن يفسرها قارئ الجريدة العادي بنفسه، المادة الأكاديمية أو البحثية تصبح صحفية أن تقيد موضوعها بحادث يجرى في ذات الوقت الذي يتقرر فيه نشرها في الجريدة أو المجلة.

لاحظت هذا في الصحف الغربية، على سبيل المثال كان هناك اقتراح بهدم جزء من طريق سريع يمر وسط مدينة تورونتو، تحدث كثير من الصحفيين بين مؤيد ومعارض ودخل أيضاً في النقاش بعض أساتذة الجامعات المتخصصين وطرحوا وجهة نظرهم العلمية.

بدأت صحافتنا أدبية وعندما جاء الجيل الصحفي الجديد قرر تأسيس صحافة حقيقية وأنجز ولكنه صار متشدداً فلم يعد في الصحافة إلا الجانب الصحفي فقط واختفى الجانب التنويري.