إدريس لكريني

منذ بداية التّسعينات من القرن الماضي؛ وما تلا ذلك من متغيرات دولية وإقليمية متسارعة، عقّدت أوضاع المنطقة العربية وأسهمت في تدهور النظام الإقليمي، سعت إيران بكل قواها إلى استغلال هذه الأوضاع لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة، عبر مختلف السبل والمداخل.

فقد استغلت الأزمة العراقية خلال بداية التسعينات من القرن الماضي، لتتدخل في هذا البلد العربي بصورة أسهمت في إرباك الأوضاع وإدخال البلاد في متاهات من الصراع والطائفية والعنف.. كما شكلت الأزمة السورية القائمة منذ عام 2011 فرصة لتعزيز تواجدها الإقليمي أيضاً؛ عبر سبل لم تخل من انحراف والتباس. ونفس الأمر ينطبق على اليمن الذي مارست فيه أدواراً وتحركات عمّقت الجرح؛ وأسهمت في تعقيد مسارات الحوار بين مختلف الفرقاء، بما زجّ بالبلاد في صراعات دموية.

وقد عبّرت الكثير من الدول العربية غير ما مرة عن استيائها وانزعاجها من التدخلات الإيرانية بالمنطقة، واستمرارها في احتلال جزر إماراتية، بما يشكل تهديداً لأمن المنطقة وخرقاً لمبادئ القانون الدولية في ارتباطها باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.

لم تتوقف الطموحات التوسعية لإيران على منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل أصبحت تتّسع وتتمدّد لتطال عدداً من الأقطار المغاربية التي لم تخف انزعاجها من هذه التحركات المريبة، وبخاصة تلك التي تمسّ بالأمن الروحي.. وبالموازاة مع هذه التوجهات المعادية، لم تأل إيران جهداً نحو تطوير ترسانتها النووية، الأمر الذي خلّف مخاوف جدّية داخل المنطقة وخارجها.. 

ظلت العلاقات المغربية - الإيرانية تتأرجح بين الشك والارتباك أحياناً؛ والقطيعة أحياناً أخرى، فقد أوقف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران في أعقاب «الثورة الإسلامية» عام 1980 بسبب الموقف المعادي من وحدته الترابية، قبل عودة قدر من الدفء إلى العلاقات بين البلدين في بدايات التسعينات من القرن الماضي، حيث تم تبادل السفراء، ونسج بعض المعاملات التجارية.. 

وفي عام 2009 تتأزّم العلاقات بين الطرفين من جديد؛ مع اتخاذ المغرب لقرار قطع علاقاته بهذا البلد من جديد كردّ على تحرشاتها بدولة البحرين، وورود تقارير وأخبار عن تورّط إيران في تهديد الوحدة المذهبية والأمن الروحي للمغاربة بسبل مختلفة.. قبل أن تنتهي القطيعة عام 2014.

تبرز الممارسات الميدانية أن إيران لم تستوعب العبر من هذه المحطات، وظلّت تمارس سلوكات لا تخلو من انحراف وإساءة لسيادة الدول، وفي هذا السياق، قرّر المغرب أخيراً قطع علاقاته الدبلوماسية مع هذا البلد، وقد ارتكز هذا القرار على مجموعة من الأسباب والمبرّرات تتلخّص في الدعم الإيراني، وحليفها «حزب الله» لجبهة البوليساريو من خلال تسليح وتدريب مقاتليها «عبر دبلوماسي يعمل بالسفارة الإيرانية في الجزائر».

إن هذا القرار المغربي، وكما جاء مبرراً من قبل وزير الخارجية، هو خيار سيادي أملته الصرامة المعهودة في التعاطي مع موضوع الأمن والوحدة الترابية، التي يعتبرها المغرب خطّاً أحمر، خصوصاً أن بلاغ الخارجية المغربية أكد وجود قرائن ودلائل دامغة في هذا الصدد.

ورغم النفي الذي ساقته كل من إيران و«حزب الله» في هذا السياق، فإن الظرفية التي جاء فيها قرار المغرب؛ وما تعرفه المنطقة من تحركات إيرانية لم تعد مظاهرها وتداعياتها خافية.. تؤكد أن ثمة الكثير من القرائن التي تبرز الإساءة لوحدة وسيادة دول المنطقة في إطار مؤامرات وتوجهات معادية تخدم أجندات ضيقة..

إن ردّ الفعل المغربي يظلّ طبيعياً؛ بالنظر إلى خطورة السلوكات الإيرانية الخطيرة، حيث أشار رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أن «المغرب لا يمكن أن يتساهل مع أي اعتداء على ثوابته الوطنية وسيادته على إقليم الصحراء».
خلّف قرار المغرب تضامناً واسعاً من قبل عدد من الدول العربية التي رفضت الاستفزازات الإيرانية، وأكّدت حق المغرب في الدفاع عن سيادته في مواجهة أية مؤامرات تستهدف قضيته ووحدته..

لا شك أن الدول العربية والإسلامية تعيش مجتمعة على إيقاع الأزمات في عالم مملوء بالتحديات والمخاطر، فغالبيتها ما زال يتفاعل بشكل سلبي مع الواقع الدولي المتغير، بما جعلها محطّ أطماع ومؤامرات خارجية مختلفة، بل إن الكثير من القضايا العربية والإسلامية العادلة تراجعت بشكل ملحوظ ضمن الأولويات والحسابات الدولية..

وعلى خلاف ما يقع في عدد من الدول في مناطق مختلفة من العالم، على مستوى التّوجّه نحو التكتل وتشبيك العلاقات الاقتصادية، وتسوية المنازعات والخلافات، وطيّ صفحات مؤلمة من تاريخ شعوبها والحسم مع الحروب، كما هو الشأن بدول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.. تزايدت التدخلات الدولية بشكل غير مسبوق في المنطقة العربية، فيما تنامت حدّة الأزمات والصراعات الداخلية وانتشر نشاط الجماعات المتطرفة والإرهابية في عدد من بؤر التوتر بهذه البلدان.. وتدهورت علاقاتها البينية.. ويبدو أن التحركات الإيرانية المشبوهة في المنطقة هي عامل أساسي من العوامل التي عقّدت النظام الإقليمي العربي، وأسهمت بشكل كبير في تأجيج الخلافات بين مختلف الأقطار في المنطقة، بما جعلها فضاء لتصفية الحسابات الضيقة أو تكريس الطائفية والصراعات السياسية..

ويبدو أن الصرامة التي تعاطت بها مختلف الدول العربية مع الموضوع برفضها للتدخلات والمؤامرات التي تستهدف دول المنطقة برمتها، تعكس في عمقها جدّية المخاوف من الأدوار الملتبسة التي باتت تطبع التحركات الإيرانية في المنطقة.. وهو ما يتطلّب بلورة مداخل استراتيجية في إطار من التعاون والتنسيق لمواجهة هذه التحركات.