عبدالله بن بخيت

كل من عاش حرب تحرير الكويت يتذكر كيف كانت صفارات الإنذار تدوي كلما قذفنا صدام حسين بصواريخه التي لا تختلف عن صواريخ الحوثي الإيرانية التي نستقبلها اليوم.

تحدثت عن الروعة التي أصابتنا عند سماع أول صافرة إنذار حقيقية. رجنا الأستاذ سليمان العيسى -رحمه الله-. طلب منا بصوت يملؤه الخوف أن نطفئ الأنوار ونغلق الستائر والنوافذ ونهرع إلى أوسط نقطة في البيت نلوذ بها. تعليمات لا أساس لها عدا اللجوء إلى مكان آمن. إغلاق النوافذ وإطفاء الأنوار خاص بالطائرات البدائية التي كانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية. لا يتحمل المرحوم المسؤولية. ما قدمه كان بياناً من إعداد الدفاع المدني أو هكذا يُفترض.

كما هي العادة يميل الأميركان إلى التهاويل. أخبرونا أن صدام حسين يملك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، وعدداً كبيراً من الصواريخ المعدلة لتحمل رؤوساً كيماويةً أكبر على حساب كمية الوقود. يغطي تدميرها ستة كيلو مترات مربعة. هذه التهاويل دفعت الدفاع المدني إلى توزيع كمامات ضد الغازات السامة. تبين أن بعض المواطنين السعوديين أكثر تهاويل من الأميركان. لا يخرج من البيت دون أن يغطي مناسمه بالجهاز. بالكاد يتنفس ولكن السلامة أولاً. بعضهم يلبسها حتى أثناء السجود في الصلاة. يضطر من شدة الرعب أو التحرز أن يفر رأسه إلى أسفل ويقوس ظهره حتى يسمح زقم الكمامة لجبهته أن تلامس الأرض. عملية شاقة ولكن لن يدع صدام ينتزع روحه بجرعة غاز. صراع من أجل البقاء. بعد فترة تبين أن حكاية الكيماوي سخيفة والطريف أن سمعنا أن معظم الكمامات التي وُزعت على الناس من مخلفات الحرب العالمية الثانية وأن المادة الفعالة فيها فقدت فعاليتها بعد انتحار هتلر مباشرة. أتذكر أن قال أحد الأصدقاء سأحتفظ بها لا لأنها من ذكريات حرب الخليج ولكن لأنها من ذكريات آبائنا عن الحرب العالمية الثانية.

بالكاد سمعت صفارات الإنذار التجريبية التي أُطلقت يوم الخميس الماضي في مدينة الرياض. لا أعرف هل كانت تجربة تخص صفارات الإنذار فقط للتأكد من فعاليتها أم أن المسألة توعية الناس وإعدادهم لكل الاحتمالات وخصوصاً في منطقتنا المضطربة. في كلتا الحالتين لا يمكن الاستغناء عن إجراءات السلامة. معظم الحروب التي اندلعت في التاريخ لم تكن متوقعة. فجأة تصبح الأمور خارج السيطرة. من الحكمة إعداد الناس دون إفزاعهم ليكونوا على استعداد لتحمل مسؤولياتهم.

أتمنى من الدفاع المدني تطوير صفارات الإنذار فما سمعناه بالكاد سمعناه. لن يلتفت له أحد. أتمنى أيضاً فتح ملفات الماضي وخصوصاً مسألة الكمامات لنعرف أين الصح من الخطأ؟ وهل ما قيل عن فساد الكمامات إشاعة أم حقيقة؟