عبدالله بشارة

كنت خارج الكويت خلال أسبوع الاستجوابات، وسألني أحد المشاركين في ندوة كانت عن مستقبل الخليج، فأخبرته مشاعري كمواطن يدعو وبشكل واضح ومتواصل إلى غرس الحس الوطني والارتفاع بالهوية الوطنية لتشكل السد القوي أمام الأضرار التي ستلحق بالكويت إذا ما تسللت عناصر القبلية وقوى الطائفية إلى الكيان التاريخي الكويتي. فالكويت،

أكثر من غيرها، بحاجة إلى التمسك الشديد بإطار الدولة، والالتزام بمسؤولياته، والإكثار من العطاء المناسب لتقوية مرتكزات هذا الاطار. فإذا تجاهل بعضنا التاريخ القريب، فالآخرون من المتابعين للشأن الكويتي لا يترددون في استذكار أيام كانت فيها الكويت عنواناً للطمع الجغرافي عبر الضم، وتحويلها إلى المحافظة التاسعة عشرة، وهي فترة كئيبة في تاريخنا نستخرج منها العبر، وأبرز هذه العبر إحاطة الدولة برعاية جماعية بالتآلف المجتمعي التوافقي، فلا تستفيد الكويت من شحنات حماسية برلمانية تشكّل بهارات الاسترضاء القبلي وتشجع قوافل الطائفية وتحط من الحس الوطني اللصيق بالتربة والمتفاعل مع نشأة الكويت من أرض جرداء وطاردة إلى دولة تتزين بوحدة وطنية صلبة ونظام سياسي بشرعية تاريخية متجذرة، وطموحات نحو التفوق في الاستقرار والعطاء والتنمية، وإيمان بالدبلوماسية المؤنسة في مجتمع الرفاه، والاطمئنان.


هذه الرسالة الواجب تبنيها لتسويق المنظور الكويتي المستقبلي إقليمياً ودولياً، وتأتي من إحساس بأولوية حماية الدولة والسهر على عافيتها، وتأمين سلامتها.
كانت الاستجوابات سيناريو معطلاً لكل القيم التي تتغذى منها الكويت، وتقتات من حصادها، وكنا نردد في المنتديات بأن الشعب الكويتي بكل طاقاته يعتز بما أنجزته الكويت، ويتطوع لحمايتها، وأنها بلد محبوب عالمياً، ومضمون أمنياً، ومشهور إنسانياً.
كنت أقرأ محاضر تلك السهرة التعسة التي كشفت عند البعض تطاول الحس القبلي على الولاء الترابي، وتعسف القوى الطائفية ضد الشحنة الوطنية المؤثرة، مع تواضع التعبير في المجادلة وفقر الثقافة البرلمانية وضيق الفهم في أحداث الإقليم وغياب ذهني عن سخونة الوضع الأمني وحساسية الظرف السياسي، ليس في المنطقة فقط، وإنما في خارجها، متمثلاً في تصاعد المجابهة بين إيران والولايات المتحدة، وواقع سوريا، وسيولة المناخ العراقي السياسي مع التسابق الانتخابي وتورطات إيران في اليمن والبحر الأحمر، وأتعجب من ضياع الطاقة البرلمانية في جدل عقيم وصراخ مزعج وتهديد بغيض.
نحن نتصور عندما يطرح نائب مؤشراً للاستجواب تتسارع التقاليد البرلمانية في إغلاق أبواب الأزمات في عقد لقاءات بين الرئيس ومكتب الرئاسة لإجراء مشاورات لتلطيف الأجواء وتوفير التفاهم المنسجم بين الحكومة والنواب، ففي غياب الأحزاب يبرز الاعتماد على التفهم ونضج الأعضاء وتقديرهم للنوايا الحسنة المستوحاة من روح الدستور.
رقة التجربة الكويتية لا تستوعب الأزمات، التي تدخل الوطن في إشكاليات تضعف الضلوع الوطنية المؤمنة بالوحدة الداخلية، وهنا نتحدث وبالذات عن دور الرئيس في إطلاق التواصل مع جميع الأطراف لتطويق المواجهات.


فيدرك الرئيس من تجاربه حجم الدمار الذي تسببه أمواج القبليات والطائفيات. ولذلك، فمن مسؤولياته الحشد الجماعي النيابي للتهدئة، فاستحضار سمو رئيس الوزراء، بكل ما يمثل، إلى قاعة الاستجواب، ليس مسألة يختص بها نائب تكدر من إجراء ما، فاستشاط غضباً مستنجداً بلائحة أسيء استغلالها ولصقت بها تفسيرات أخرجتها من سياقها.
نحن نعرف أن سمو رئيس الوزراء يراعي الوضع العام ويتلطف مع النواب ويلتزم بمبدأ الصبر الواعد على طريقة شعب الصين، بينما الحالة تستدعي الحزم في الالتزام بالدستور ومنح الأولوية لاستقرار البلد وليس لاسترضاء بعض النواب المدفوعين لمصالح شخصية وفئوية وقبلية، مع نزعة نحو التلميع الإعلامي الشخصي والتودد السياسي الشعبي.
نطالب الحكومة بالإصرار القوي على تطبيق القانون، فأكثر لاعب في قضايا العبث بالقانون هم أولئك النواب الموجودون في ممرات الوزارات، وأبصم بأن الخصومة الموجهة ضد الفاضلة وزيرة الشؤون الاجتماعية مرتبطة بصلابتها في حماية القانون، فليس هدف المستجوبين النفع العام، وإنما استحصال المكاسب لقواعد تعزز مجال العودة المستقبلية.
لا تحتاج الكويت إلى استجوابات، وإنما الملحّ الآن احترام القانون والحفاظ على بنود الدستور بلا مجاملات، مع مواقف حكومية متحصنة بدعم مؤازر من الرأي العام الذي لم يعد يهتم بالاستجوابات، لأنها تأتي في وقت غير مناسب، وحول موضوع غير مقنع وبأداء غير مرضٍ.
تشكّل هذه اللحظات فرصة للحكومة ليس تنفيذاً للصبر الواعد الذي يستنسبه رئيس الوزراء، وإنما الحسم النافذ الذي يواكب الوضعين الداخلي والخارجي في هذا الفصل الخطر.
أجزم بأن الكويت بحاجة إلى هيئة شعبية لرعاية الدستور تتابع سلوكيات السلطات الثلاث، وتقاوم الخروج على المألوف، وتعمل لتقويم الشطط في أداء هذه الأطراف، وتبث الوعي الدستوري الشعبي.
الكويت أمانة تدوم بالتكاتف الجماعي والانسجام المجتمعي بلا تصدعات التي تفيد خصومها المتربصين…
***
كتبت منذ أسبوعين مشيداً بأداء جمعية الهلال الأحمر الكويتية ومجلس إدارة الجمعية برئاسة الدكتور هلال الساير المتميزة عبر عطائها في قارات العالم التي وضع أساسها المرحوم عبدالعزيز الصقر، أبرز الوجوه السياسية والإنسانية، بمساعدة آخرين متطوعين بإيمان، مثل سعد الناهض رئيسها السابق صاحب السجل المشرف، فنالوا جميعاً إعجاب المجتمع وتقديره..