زياد الدريس

ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن (العدو)، فقد سبق أن كتبت هنا: «في مسألة: تحويل العدو إلى صديق» أيلول (سبتمبر) 2014، وكتبت: «الإخوان الإسرائيليون» في آب (أغسطس) 2015، ثم كتبت: «من هو عدونا الأول الآن؟» آب 2016، وأخيراً: «هل ما زالت فلسطين القضية الأولى؟» كانون الأول (ديسمبر) 2017.


إذاً، هي ليست المرة الأولى، وقد أكتب بعدها عشر مرات أو قد لا أكتب شيئاً! إذ تكاثرت المقالات الطويلة والتعليقات القصيرة في تويتر أخيراً عمّن هو عدونا حقاً: إسرائيل أم إيران؟ كأننا أمام مباراة كأس نهائية، ملزمين فيها بتشجيع أحد الفريقين فقط وتمنّي هزيمة الفريق الآخر!

والغريب أن معظم ممارسي هذه المفاضلة بين العدوّين هم ممن كانوا يُثقلون آذاننا برفع راية البراغماتية والتجرد من انحيازات العواطف والشعارات. متجاهلين، أو جاهلين، أن البراغماتية قادرة على استيعاب أكثر من عدو وأكثر من صديق، وأنها لا تؤمن بعاطفة تفضيل عدو واحد على آخر، فقوانين صالون السياسة غير قوانين محراب العشق.

الولايات المتحدة لديها أعداء كثر: روسيا، الإرهاب، المهاجرون من الحدود الجنوبية. روسيا لديها: الولايات المتحدة، الانفصاليون في أوكرانيا وجزيرة القرم، المتمردون في الجمهوريات السوفياتية السابقة. وبالمثل الصين وبريطانيا والهند وفرنسا وغيرهم. لكن مثقفيهم وإعلامييهم لم ينشغلوا بمسابقة تحديد العدو الأول وتطهير الآخرين.

التفضيل بين العدوين: إسرائيل أو إيران يشبه تخيير الإنسان بين الموت غرقاً أو الموت حرقاً؟ سيختار بعضكم الموت غرقاً في (صديقنا) الماء، لكن الذين كابدوا أهوال الغرق وأوجاعه كان الماء حينذاك هو العدو الأول لهم!

من المؤسف أننا نعيش بين (عداوات) يُرقّق بعضها بعضاً، لكن يجب أن نحذر من الانتقال إلى مرحلة أن ينفي بعضها بعضاً، ثم نكتشف لاحقاً أننا أخطأنا بتبييض عدو كالح السواد.

لو سُئلت عن العدو الأول لنا الآن، لم أكن لأنفي العداء الكبير الذي تمثّله إيران، لكني كنت سأصوغ إجابتي من دون أن أقع في فخ جعل إسرائيل عدوّاً ثانياً.

لا شيء أشد إيلاماً على الإنسان من أن يتحول من الحيرة في التفضيل بين أصدقائه إلى الحيرة في التفضيل بين أعدائه!