وحيد عبد المجيد

وضع القرار الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، بسحب توقيع الولايات المتحدة على الاتفاق الذي عقدته مجموعة «5 + 1» مع طهران عام 2015، الدول الأوروبية الكبرى في مأزق صعب. وبرغم أن القرار الأميركي كان مرجحاً، تواجه هذه الدول صعوبات بالغةً في التعاطي مع تداعياته الاقتصادية التي لم تستعد لها، وخاصة آثاره على شركاتها العاملة في السوق الإيرانية. ويُعد هذا المأزق أحد أهم أسباب معارضة الأوروبيين قرار ترامب، وإصرارهم على استمرار الاتفاق. ستفرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركات التي لا تقوم بتصفية أعمالها في إيران خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. وحسب البيان الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية، ستصبح بعض العقوبات سارية في 6 أغسطس المقبل، بينما ستسري عقوبات أخرى على معاملات تتطلب تصفيتها وقتاً أطول في 4 نوفمبر المقبل.

وستكون شركات أوروبية كبرى عدة في مرمى هذه العقوبات، ومن أهمها شركة الطيران الأوروبية «إيرباص» التي وقعت عقودا ضخمةً مع شركتي الخطوط الجوية الإيرانية «إيران إير» و«طيران زاجروس». و«إيرباص» من أكثر الشركات الأوروبية حساسية على صعيد التأثر بأي عقوبات أميركية لسببين؛ أولهما أن لديها مصانع كبيرة داخل الولايات المتحدة، وثانيهما أنها تعتمد على بعض السلع الوسيطة الأميركية في صناعة طائراتها. كما تواجه شركتا طيران كبيرتان مأزقاً بسبب العقوبات الأميركية، وهما الخطوط الجوية البريطانية، و«لوفتهانزا» الألمانية، اللتان استأنفتا رحلاتهما إلى إيران، وعقدتا شراكات مع شركات طيران آسيوية في إطار خطط طويلة المدى.

وتواجه شركة النفط الفرنسية الكبرى «توتال» مأزقاً خطيراً بدورها، بعد أن وقعت عقوداً بنحو خمسة مليارات دولار للمشاركة في تطوير حقل «بارس» في جنوب إيران، وإنتاج الغاز من البلوك رقم 61 في هذا الحقل لمدة عشرين عاماً، كما تطال العقوبات بعض شركات السيارات الأوروبية الكبرى، مثل «رينو»، و«بيجو»، و«بي. إس. إيه»، و«فولكس فاغن».

وتواجه بعض سلاسل الفنادق الأوروبية بدورها أزمة، خاصة تلك التي افتتحت فنادق جديدة في إيران، مثل سلسلة «أكور» الفرنسية، وسلسلة «ميليا هوتلز انترناشيونال» الإسبانية. وهذا فضلاً عن شركات أخرى في مجالات مختلفة، مثل شركتي «سيمنز» للطاقة و«أورانج» للاتصالات.

ولأن هذه كلها شركات كبرى ونافذة، فهي تؤثر في صنع القرار في دولها، ومن ثم في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يفسر الإسراع بإدراج قضية الملف النووي الإيراني على جدول أعمال قمة صوفيا بعد الانتهاء من إعداده.

لذلك تتجه الأنظار إلى ما يستطيع الأوروبيون فعله لمواجهة المأزق الاقتصادي المترتب على القرار الأميركي، بعد أن أعلنت الرئاسة الفرنسية أنهم سيبذلون كل جهد ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في إيران.

وإلى جانب هذه المصالح، تتطلع الدول الأوروبية الراغبة في الحفاظ على الاتفاق النووي إلى أن يكون استمرار عمل شركاتها في إيران حافزاً للنظام الحاكم فيها، بما يحول من دون انسحابه من هذا الاتفاق، وخاصة بعد أن ربط رئيسه بين استمرار الالتزام به والحصول على ما أسماه ضمانات أوروبية.

والخيار الأول لدى هذه الدول هو أن تطلب من الرئيس الأميركي إعفاء شركاتها، أو بعضها، أي محاولة إقناعه بعدم تطبيق العقوبات بأثر رجعي، أي أن تنطبق فقط على الشركات التي تتعامل مع إيران بعد قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي.

وربما تعول هذه الدول على دور يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكونه أقرب القادة الأوروبيين إلى ترامب، برغم أنه فشل من قبل في إقناعه بجدوى منح مهلة للسعي إلى اتفاق تكميلي يعالج نواقص الاتفاق.

وإذا فشل ماكرون مرة أخرى، فربما لا يكون أمام الأوروبيين سوى محاولة تقديم حوافز أخرى لإيران مثل تزويدها بتكنولوجيا متقدمة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والسلامة النووية، والبيئة، وإيجاد آلية مصرفية مستقلة لتمويل مشاريع تعاون معها عن طريق بنك الاستثمار الأوروبي الذي لا يعمل في السوق الأميركية.

كما يمكن أن تتجه بعض الدول الأوروبية إلى تشجيع شركات أخرى أقل حساسية للعقوبات الأميركية على العمل في إيران، لكن هذه الشركات ستكون في معظمها، وربما كلها، متوسطة وصغيرة، لأن الشركات الكبيرة لا تستطيع التضحية بالسوق الأميركية.

لذا سيكون نجاح أي محاولات للتعويض عن تصفية الشركات الأوروبية الكبرى أعمالها في إيران، موضع شك كبير. وهذا هو جوهر المأزق الذي يواجه أوروبا اليوم.