عبدالله ناصر العتيبي

ماذا لو لم يقْدِم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقّعته دول مجلس الأمن وألمانيا مع إيران؟ وما هو المآل المتوقع للعلاقة الإيرانية – الغربية بعد الانسحاب الأميركي؟

سؤالان يسهل الإجابة عنهما اختصاراً: المزيد من «التنمر» الإيراني للسؤال الأول، وارتباك خطوط تواصل طهران مع الغرب، وتحديداً مع الدول التي أبقت على الاتفاق، للسؤال الثاني.

وأما إذا أردنا التفاصيل، فإن النظام الإيراني كان يسعى من خلال توقيعه على الاتفاق النووي في 2015 للوصول إلى 3 غايات رئيسية: ضمان سلامة تدفق العملات الصعبة إلى الداخل بما يساعد النظام الحالي على الذهاب بعيداً في مشاريعه الداخلية القمعية المتمثلة في إقصاء أي خطر شعبي قد يمس طبيعة النخبة الحاكمة من جهة، وتمتين اقتصادات الحرس الثوري الداخلية عبر شركاته المتوزعة على الخريطة الإيرانية من جهة أخرى لخلق خط ولاء متين يظل على الدوام سقفاً منخفضاً تصطدم به رؤوس الإيرانيين كلما حاولوا النهوض والنظر بعيداً إلى ما وراء الأفق.

عشرات البلايين من العملات الصعبة دخلت إلى إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، لكنها لم تساهم في إنعاش الاقتصاد المتدهور، ولم تحسن من الحالة المعيشية لعشرات الملايين من المواطنين المسجونين في دائرة الفقر، ولم تبن مستشفى أو جامعة، ولم تخلق وظائف جديدة تحتوي الملايين من الشباب العاطل. دخلت الأموال إلى ثقب أسود ثم اختفت، لكن كان من نتائج ذلك أن زادت الفجوة الاقتصادية ما بين جنود الحرس الثوري والباسيج وعائلاتهم الذين يقدرون بمئات الآلاف وبقية الإيرانيين المسحوقين والمستهلكة طاقاتهم في البحث عن قطعة خبز وكأس ماء نظيف!

الغاية الأولى تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية، فالضعيف ازداد ضعفاً والقوي ازداد قوة، وأما النخبة الحاكمة فظلت فوق الجميع تستخدم العصا لمن هو أسفل السقف المنخفض والجزرة لمن هو فوقه.

الغاية الثانية هي تخفيف الضغوط الدولية على البرنامج النووي الإيراني بما يضمن له التطور السري المستقر والمطرد، بحيث يكون قادراً على طرح نتائجه النهائية في العام 2025 بعد انتهاء الاتفاق. ضحكات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أوروبا خلال المفاوضات في 2015 وبعدها، كانت تخفي خلفها مشاعر مرتبكة توازن ما بين إرضاء الغرب بإيقاف العمل على التخصيب المتقدم لليورانيوم، والولاء المطلق لمرشد البلد/الثورة علي خامنئي الذي يحلم بأن تكون إيران قوة نووية عالمية، لتستطيع إكمال مشاريعها التوسعية التي بداتها في 1979.

أما الغاية الثالثة، فهي المضي قدماً في اختراق الإقليم العربي، وفرض الهيمنة الفارسية على أكبر مساحة عربية ممكنة لاستخدامها ما بعد 2025 كأوراق لعب رابحة في المفاوضات مع الغرب في شأن «واقع الحال» النووي الإيراني الجديد! سعى الإيرانيون بعد الاتفاق إلى التمدد في عدد من الدول العربية مستغلين نعومة ودفء العلاقة الجديدة مع الغرب، وعدم اشتمال الاتفاق النووي على ما يمنع هذه التحركات خارج الحدود. كان إيرانيو 2015 وعلى رأسهم الرجل المبتسم ظريف يعرفون أن المفاوضات في 2025 ستكون شديدة التعقيد والضراوة، لذلك عملوا طوال السنوات الثلاث الماضية على أن يلتقوا مع الغرب في التاريخ المحدد لانتهاء الاتفاق وهم في كامل عافيتهم وبصيغة مواجهة جديدة تحل محل الصيغة السابقة. أراد الإيرانيون أن يقفوا في مواجهة الـ «خمسة زائد واحد» بتحالف مكون من واحد زائد أكبر عدد ممكن من الدول العربية الواقعة تحت الهيمنة الفارسية.

هذا باختصار غير شديد ما يمكنني تناوله عن إجابة السؤال الأول، أما إجابة السؤال الثاني فهي مسالة خاضعة للزمن، لكن هناك دائماً حقيقتين مهمتين لا بد من الإشارة إليهما في هذا الجانب: العلاقات التاريخية ما بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وعدم قدرة النظام الإيراني على أن يوازن ما بين العقوبات الأميركية وتوقعات الدول الخمس الأخرى منه بخصوص تحمل مسؤولياته في إكمال الاتفاق.

ما حدث للاتفاق النووي حتى الآن هو أفضل السيناريوات المتوقعة. التزام إيراني بالاتفاق وعقوبات أميركية في الوقت نفسه! هل كان أكبر المتفائلين يحلم بهذا؟! لكن هل للدول الخمس وبخاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا القدرة على مراقبة مدى التزام إيران ببنود الاتفاق؟ وهل هي قادرة كذلك على التعامل مع «التفاصيل الصغيرة» التي ستتلو العقوبات الأميركية المنتظرة؟ من المؤكد أن إيران ستظل كل الوقت تنظر للدول الثلاث بنصف عين وهي تعرف العلاقة الوثيقة التي تربطها بأميركا، وفي الوقت نفسه ستظل الدول الثلاث تنظر إلى إيران بنصف عين لأنها تدرك تماماً أن الأميركيين صادقون في ما يتعلق بسعي إيران الحثيث إلى امتلاك السلاح النووي على رغم توقيعها للاتفاق، لكنها لعنة الاستثمار والاقتصاد!

أشهر مقبلة من الارتباك والتوتر، قد تنهي الاتفاق نهائياً، وقد تدفع الأوروبيين والإيرانيين إلى مغازلة أميركا لسحبها مجدداً إلى طاولة «فريديريكا موغريني» المستديرة للتفاوض حول شروط جديدة وبنود أكثر صرامة وهذا هو المتوقع!

أميركا مصرّة على إدخال البرنامج الصاروخي والتمدد الإيراني الخبيث في المنطقة إلى الاتفاق الجديد، والدول الثلاث تتمنى أن يستمر الاتفاق بأي شكل، المهم أن تستمر. والصين وروسيا تنتظران كما جرت العادة لتقطفا النتيجة، وإيران الحالية لا تستطيع أن تتحول إلى دولة تلتزم المواثيق الدولية.

كل هذه الحقائق ستجعل من الاتفاق ساحة شد وجذب سنوات غير قليلة مقبلة.

* كاتب سعودي