حسن المصطفى

أتت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، لتعطي تيار «سائرون»، بزعامة السيد مقتدى الصدر، الحصة الأكبر في البرلمان، رغم أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة، إلا أن تحالفه مع «الشيوعيين»، وشخصيات وطنية أخرى، منحه تفوقاً على كثير من منافسيه وخصومه!.

رئيس الوزراء العراقي الحالي، حيدر العبادي، وقائمته «النصر»، رغم أن حظوظه مازالت قائمة في تولي ولاية ثانية، بالتحالف ربما مع «سائرون»، إلا أن المراقبين كانوا يتوقعون أن يحقق نتائج أفضل، ويأتي في مقدمة الفائزين، لا ضمن الثلاثة الأوائل.

قائمة «الفتح» التي تضم هادي العامري، وتمثل تيار «الحشد الشعبي»، والمتحالفين معه، وتحديداً من الفرقاء المؤيدين للسياسة الإيرانية، حصدوا حضوراً وازناً في البرلمان، وهم بالتالي يشكلون قوة سياسية تمتلك في ذات الوقت حضورا عسكرياً على الأرض، وشعبية بين قطاعات من العراقيين، لا ينافسهم فيها إلا التيار الصدري.

شعبياً، ستكون المنافسة محتدمة بين «سائرون» و»الفتح». فرغم التباين بين التيارين، والولاءات المختلفة، وطريقة التفكير التي تبتعد شيئاً فشيئاً عن الأخرى، إلا أن التيارين يعتمدان على التحشيد الجماهيري، والخطابات التي تجترح لغة التعبئة من خلال الشارع العام، لأن قوتهما تتمثل في القواعد العريضة الموزعة في المدن والأحياء التي سكانها من ذوي الدخل المتوسط فما دون، مع فئة قليلة جداً من النخبة العراقية، وهي نسبة لا تمثل شيئاً من عموم حجم التيارين.

السيد حيدر العبادي، وبما يمثل من تجربة سياسية سابقة مع «حزب الدعوة»، وتالياً في سدة رئاسة الوزراء، استطاع أن يراكم خبرة عملية ودبلوماسية جيدة جداً، مشفوعاً فيها بمجموعة من المعاونين ذوي الخبرة، وهو بذلك يمثل خيار الطبقة السياسية والتكنوقراط، والطبقة المتعلمة، أكثر من تمثيله للفرد العراقي البسيط.

هذه الاختلافات السياسية والثقافية، رغم أنها قد تؤدي إلى تنافر بين المجموعات المتصدرة، إلا أنه بإمكانها أن تخلق نوعاً من التوازن، يؤدي في النهاية لتنازلات متبادلة بين التيارات، وتحديداً الصدر والعبادي، بحيث يكون هنالك تفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير حزبية، تعمل على جعل القرار العراقي ذا بعد داخلي محلي، تسعى لأن تستقل عن القوى الخارجية، وتبتعد عن أي هيمنة إيرانية أو سواها.

استقلال القرار العراقي، وإقامة علاقات حسنة مع دول الجوار العربي وتحديداً السعودية ودول الخليج، ومجابة الفساد المالي والإداري، وتحسين مستوى معيشة الفرد العراقي، ومجابهة الإرهاب، هي ملفات تشكل نقطة التقاء بين «سائرون» و»النصر». ومن شأن التفكير بشكل استراتيجي، غير متشنج، ولا أقلوي، أن يجعل القائمتين قادرتين على تشكيل حكومة تحظى بدعم شعبي وتمثلُ بكفاءات سياسية ذات خبرة، وهو ما يحتاجه العراق، بعيداً عن التفكير المليشياوي وأعقاب البنادق.