خالد بن حمد المالك

 

في لبنان هناك جاذبية سياحية تلوّح دائماً للسعوديين والخليجيين، فقد عرفوها وأحبوها، وكانت مقصدهم سياحياً، قبل أن تسرقهم دول أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، إثر نشوب الحرب الأهلية في العام 1975م، إذ كان لبحرها وجبلها وطبيعتها وأجوائها سحرها الذي يغري لقضاء أجمل الأوقات فيها.

* *

كان لبنان بحق ملهم الفنانين والشعراء والأدباء والمثقفين والإعلاميين، وكل من فتنته طقوس الحياة في ليل لبنان ونهاره في مختلف دول العالم، في أجواء متشبعة بكل ما هو مطلوب، حيث الحرية، والانفتاح، وتوفر كل المتطلبات للاستمتاع بلبنان الجميل، لولا أن بعض ساسته ومثقفيه وإعلامه غير المنضبط تآمر ولا يزال على هذه الخاصية التي لا مثيل لها في دولة أخرى.

* *

وللتأكيد على ذلك فإن من يشاهد ويتابع المحطات التلفزيونية اللبنانية التي تبث برامجها، ولقاءات بعض السياسيين في حوارات لا تنتهي عن الشأن اللبناني، يصدمه أن يرى لبنان وكأنه مؤجر للغير، وكأنه لا يتحدث عن نفسه، وإنما عن إملاءات أجنبية، وكأنه لا توجد الإرادة اللبنانية المستقلة في منع هذا التآمر على استقلاله.

* *

لهذا فلبنان الجميل، ظُلم من أهله قبل أن يظلمه الآخرون، فبات مغلوباً على أمره، تتنازعه السياسات الأجنبية، بما عرّض أمنه للخطر، وأخّره سنوات عن أن يواصل التجديد والتطوير، وتحسين الوضع الاقتصادي، والبحث عن حصة أكبر من سائحي الخليج، بل العالم كله، ولمَ لا؟

* *

خلال الأيام الماضية، وفي هذه الأجواء، تمت الانتخابات النيابية، وفق القانون اللبناني الجديد، وتم الإعلان عن النتائج، وهو ما يعني تكليف رئيس الجمهورية لأحد زعماء السنة - الحريري أو غيره - بالتشاور مع الكتل اللبنانية لرئاسة الوزارة وتشكيلها، وكذلك ترشيح النواب لمن سيرأس مجلسهم في هذه الدورة من بين زعماء الشيعة - بري أو غيره - لكن المشكلة التي سيواجهها رئيس الوزراء الذي سيكلّف ستكون عند توزيع الحقائب الوزارية.

* *

وبالمناسبة، فقد كان هناك كلام جميل تحدث به عدد من النواب اللبنانيين الفائزين بالانتخابات النيابية الجديدة، وأغلبهم أعضاء في مجلس الوزراء المنتهية صلاحيته عن المملكة وعلاقتها التاريخية مع لبنان، حيث أجمع من لبى دعوة القائم بالأعمال في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بخاري لحضور مأدبة إفطار رمضانية، على عمق العلاقة بين الرياض وبيروت، وأن للمملكة حضوراً سياسياً وشعبياً غير عادي ومحبة في الأوساط اللبنانية.

* *

المستشار الأستاذ نزار العلولا المكلَّف بالملف اللبناني، كان وجوده في لبنان في غير زيارة رسمية فرصة له لحضور مأدبة الإفطار واللقاء بالأقطاب اللبنانية، وفرصة للإعلاميين أيضاً كي يسألوا العلولا - ضمن أسئلتهم - عن موعد تسمية السفير السعودي الجديد في لبنان، ليؤكّد لوسائل الإعلام على أن ذلك سيتم بعد تسمية الحكومة وليس تأليفها، وأن الرياض لا تتدخل في تشكيل الحكومة باعتباره شأناً لبنانياً، وعندما كان السؤال عن رأيه في دخول حزب الله في التشكيل الوزاري، قال (مداعباً) أعطوني الجنسية اللبنانية، وعندئذٍ سأقول لكم رأيي.

* *

حضور مائدة الإفطار كان كبيراً؛ فإلى جانب رئيس الوزراء سعد الحريري، كان هناك رئيس الجمهورية السابق ميشيل سليمان، ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والوزير حسن خليل، وعدد غير قليل من الوزراء والنواب والشخصيات الدينية والسياسية، ما حوَّل المناسبة إلى فرصة للإعلاميين للسؤال عن العلاقات الثنائية بين المملكة ولبنان، وإلى حلقات نقاش بين الأقطاب اللبنانية الذين حضروا مأدبة الإفطار.

* *

وخلال الإفطار السنوي الذي تقيمه السفارة السعودية، لاحظنا حضوراً نوعياً من الأحزاب والأقطاب السياسية والدينية والمكونات الحزبية، وكانت فرصتهم للحديث عن مستقبل لبنان في ضوء نتائج الانتخابات النيابية، واقتراب موعد تسمية رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ومن ثم تشكيل الحكومة، ما جعل من المناسبة ملتقى للحوار البناء بين اللبنانيين بضيافة المملكة التي تقف على مسافة واحدة داعمة لكل من يريد مصلحة لبنان لا مصلحة قوى خارجية.